بعيدًا عن الإجماع الوطني كلّف رئيس السلطة محمود عباس عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمد اشتية بتشكيل حكومة جديدة، بعد نحو شهر ونصف من استقالة حكومة رامي الحمد الله.
وفي فبراير (شباط) الماضي أنهى وفد من حركة فتح مشاورات مع فصائل بمنظمة التحرير بشأن تشكيل الحكومة الجديدة، لكن معظم الفصائل اعتذرت عن المشاركة، واشترطت تحقيق توافق وطني حولها، وحصر عملها في مهمتي إنهاء الانقسام وإجراء انتخابات عامة، ومع ذلك مضى عباس في قرار تشكيل حكومة جديدة ليزيد من التعقيدات السياسية الفلسطينية.
عقلية ديكتاتورية
أمام ذلك يرى الكاتب والمحلل السياسي خالد صادق أن عباس يصر على انتهاج سياسة الاستفراد بالقرار الوطني، وتعزيز الانقسام باتخاذ قرارات تزيد من المشكلات الفلسطينية بعيدًا عن الإجماع الوطني، وأن الأمور تتجه نحو المزيد من التعقيد، خاصة أن عباس لم يتشاور مع أحد من الفصائل بشأن الحكومة الجديدة.
وقال صادق لصحيفة "فلسطين": "تفرد عباس بتشكيل حكومة جديدة من حركة فتح، رغم معارضة الفصائل لها يدلل على عقلية ديكتاتورية وعلى حساب الحقوق الفلسطينية".
ويعتقد أن ذلك سيزيد من الأزمات في المرحلة القادمة ويغلق الطرق أمام محاولات وضع الحلول للمصالح الفلسطينية، لافتًا إلى أن تلك الإجراءات تعزز الإطار السياسي الذي يقول إن "عباس لا يريد إنهاء الانقسام ويلعب بملعب وحده ويحاول تحقيق أهداف حزبية فئوية".
وأضاف: "كل هذه الخطوات تدلل أن عباس يتجه للانفصال عن غزة، ويتخذ الخطوات التي تسهل تنفيذ صفقة القرن وتعزز الانفصال الجغرافي بين غزة والضفة، وبالتالي من حق الفصائل التفكير في بدائل لمواجهة قراراته".
ويتوقع صادق أن يزيد قرار تشكيل حكومة فتح الانفصالية من تعقيد الوضع الداخلي الفلسطيني، فقد تشهد الأيام القادمة ردودًا عنيفة على هذا الإجراء، حتى من داخل فتح نفسها، إذ ليس لديها إجماع على حكومة اشتية، وقد تظهر هذه الخلافات على الساحة خلال أيام.
ويرى أن المهام الموكلة للحكومة الجديدة هي واحدة، وتتمثل بتمرير سياسة رئيس السلطة، ولن تستطيع حل الأزمة المالية التي ستتضاعف مع استمرار سلطات الاحتلال بخصم أموال المقاصة، كما لن أن هذه الحكومة لن تحقق المصالحة الفلسطينية.
وقال: "أعتقد أن اشتية يدرك أن دور حكومته سيكون تنفيذ مصالح فتح وسياسة عباس وتعزيز الانقسام وتمرير سياسات الاستسلام التي يرفع راياتها عباس".
لا اختلاف في المضمون
في الإطار نفسه يشير الكاتب والمحلل السياسي خالد عمايرة أن الحكومات الفلسطينية التي شكلت سابقًا لا تختلف كثيرًا عن الحكومة الحالية من حيث المضمون، ففتح التي ترى في نفسها الحزب الحاكم الوحيد الذي من حقه التقرير في كل شيء.
وقال عمايرة لصحيفة "فلسطين": "فتح في السابق كانت تفرد أجنحتها للفصائل المؤيدة لها بمنظمة التحرير الفلسطينية، لكنها اليوم تحتكر المشهد السياسي بكِبر وعنجهية، لأن الأمور تغيرت وأصبح هناك تشنج لدى فتح، لا سيما مع فشل نهج المفاوضات مع الاحتلال في تحقيق أي إنجاز للشعب الفلسطيني".
وأضاف أن الأمر الثاني يتعلق بوضع رئيس السلطة الصحي، وحالة الاختلافات والتجاذبات داخل فتح، حيث إن كل جماعة وفرد يحاول أن يضمن مكانا له في مرحلة ما بعد عباس.
وقال: "هناك تشنج داخل فتح وإن كان ذلك لا يظهر في وسائل الإعلام التي تسيطر عليها السلطة"، مشيرًا إلى أن قرار تشكيل الحكومة الجديدة يمهد لقرارات أخرى قد يتخذها عباس كإلغاء الانتخابات التشريعية التي أعلن عنها بالضفة، وذلك لضمان محافظة فتح على نفوذها.
ومضى عمايرة إلى القول: "إذا كان اشتية مخلصًا لعباس معنى ذلك أن سياساته ستكون تطبيقا وتنفيذا لتصريحات رئيس السلطة حيال غزة وحماس، بمعنى تعزيز الانفصال عن القطاع".
ويرى أن رئيس الحكومة السابق رامي الحمد الله "طوال فترته السابقة كان يتشبث بإطار ولو رقيقا من الوحدة الوطنية وكان يعارض الانفصال عن غزة وقطع كل الأسباب بين غزة والضفة"، وفق تعبيره.
كما يعتقد عمايرة بوجود معارضة داخل فتح لتشكيل عباس حكومة جديدة، لافتًا إلى أن عباس اختار اشتية لكونه أحد الأفراد المقربين جدًا منه، هو خيار عباس أكثر مما هو خيار فتح.