فلسطين أون لاين

هل يؤثَمُ "المسحور" على ظلمه وعقوقه؟

...
صورة تعبيرية
غزة - خاص / فلسطين أون لاين

حدثنا صديقٌ عن صديقه قال: "تزوّج "أحمد" المعروف بصلاحه وطيبة قلبه وبره لأهله منذ ثلاث سنوات امرأةً قيل إن أمها من المتعاملات في السحر، لكنه اتبع قوله تعالى :"ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى" خصوصاً وأنه تعرف عليها في عمله وتوسّم في وجهها الخير والصلاح.

تمّ الزواج وبعد أسابيع فقط، تغيّر الشاب تماماً؛ صار كأنه شخصٌ آخر إلى درجة أنه تجرأ في لحظة غضبٍ وضرب أمه لانتقادها تأخر زوجته في النوم كل صباح؛ صار أحمد كلما مر الوقت أكثر قسوة ونسي حتى صلاة الفجر التي لم يتأخر عنها يوماً، لقد قاطع أخواته المتزوجات كلهن ولم يعد يزورهنّ أبدا هكذا ومن غير سبب.. وعلى الرغم من أنه الابن الذكر الوحيد لأبويه، قرر أن يغادر بيت أهله ويستأجر في مكانٍ بعيدٍ لا يقابلهم فيه ولا يقابلونه!

صار حال الأسرة مبكياً، فالأم تنادي ابنها الذي ربته بدموع عيونها، والابن يتهمها بأنها هي التي خربت حياته، لدرجة أنه حسب من نَقَلَ على لسانه، كان يدعو عليها بالموت! وعلى مدار ثلاث سنواتٍ هي عمر زواجه كان أهله على ثقة بأن "هذا ليس أحمد"! وليست هذه هي تربيته! ليس هذا هو حبه لأمه الحنون..

بدأت تتسلل إلى عقولهم فكرة أن تكون أم زوجته قد "مسته بسحرها"! ولكن كل ما فعله الابن بأمه لم يثنِ قلبها عن حبه، ولذلك لجأت إلى "الصديق" ناقل الرسالة تخبره أنها تخاف عليه من عذاب الله، وطلبت منه أن يسأل صاحب علمٍ إذا ما كانت تصرفاته التي قد تكون ناجمةً عن "سحرٍ كبير" ستورده المهالك في الآخرة؟ هذا التقرير سوف يخبرنا الإجابة:

عقوق "الأبناء"

فجأةً انقلبت حياة "سعيد" وزوجته أم أبنائه الثلاثة رأساً على عقب! صار لا يطيق زوجته التي حارب الدنيا كلها كي يظفر بها، أصبح يختلق المشكلات بلا مبرر، ويغيب بالأيام كي "لا يرى وجهها" كما كان يقول! كل هذا صار يحدث معه منذ تعرّف عبر الإنترنت إلى امرأةٍ أخرى.. مرّت بضعة أشهرٍ وإذا به يعلن خطوبته عليها!

ضاقت الدنيا في وجه زوجته التي صار يضربها ويمعن في إهانتها وأذيتها، ناهيك عن ما كان يفعله بأولاده..

"كان –تقول زوجته- يعاملهم كمن يعامل المتسولين، يضربهم بقسوةٍ شديدة ويمنع عنهم المال، ويذلّهم حتى يحضر لهم طلباتهم، ويا من تراه يشرد بذهنه ويقول: ليتني ما رأيت أمكم، ليتني لم أنجبكم يا أولاد الـ...".

تم الزواج، وانفصل الرجل تماماً عن زوجته وأولاده، حتى أنه طلب منها أن تبحث لأولادها إذا أرادت أن تبقى على ذمته جمعيةً ترعى شئونهم لأنه لن ينفق عليها أو عليهم قرشاً واحداً.. وهم على هذا الحال منذ أشهر..

حتى أمه –والحديث للزوجة- صارت تضرب أخماساً بأسداس، لأنه ومنذ تزوج تلك المرأة غيّب عقله تماماً "كمن مسّه سحر"! لم يعد يزورها أبداً ونسي أبناءه، وتتساءل دوماً ما لو كانت هذه تصرفات رجلٍ عاقل! بل وصل بها الحال أن تقسم أن "زوجته الثانية أوقعته بسحرٍ لا يقدر على فكه إلا الله" خصوصاً وأنها عندما زارته مرة وباتت عنده –على غير رغبةٍ منه أو من زوجته- انتبهت إلى أنها مرةً وضعت له في العصير بضع نقاطٍ من قارورةٍ صغيرة قالت إنه "ماء الزهر" لما سألَتْها عنه..

وعن حالةٍ ثالثة، امرأةٌ فائقة الجمال، تغيّرت على زوجها فجأة، أصبحت لا تطيقه وعلى لسانها أمامه لا تجري إلا كلمة "طلقني"، تفتعل معه المشكلات غير مكترثةٍ أبداً إلى أطفالها الأربعة الذين صارت تهملهم ولا تطيق حتى النظر إليهم.. أخذها أهلها إلى شيخٍ فقال لهم إنها "مسحورة"! هذا حدث قبل أشهر، ومنذ ذلك الحين لا هي مطلقة ولا هي معلقة، وأولادها لدى أبيهم لم تطلب لرؤيتهم! هي حتى هذه اللحظة لا تفكر إلا بطلاقها منه، وتدعو على أولادها أن يخلصها الله منهم كي تسهل عملية فكاكها من أبيهم أكثر!

العقل أو الإرادة..

يقول أستاذ الشريعة والقانون في جامعة الأقصى بغزة د.بسام العف: "إذا كان السحر الذي مس الإنسان قوياً إلى درجة أن يؤثر على عقله فلا يعي ما يقوله ولا ما يتفوّه به فإنه بذلك يعامل معاملة المجنون، أما إذا أثر على إرادته فكان يعي ما يقوله لكن لا يستطيع أن يفعل غير ما يقوده إلى فعله السحر فهو يعامل معاملة المكره، وفي الحالتين لا يؤثم المسحور على ما يفعل بل من يحمل إثمه الساحر ومن سحره ولكن لا بد أن يعالج نفسه".

وفي تفصيل الحديث أضاف :"لقد جعل الله سبحانه وتعالى العقل والإرادة أساس التكليف، وقد قال صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل، وقوله أيضاً :"رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".

وبالنسبة لطلاق المسحور، فقد قرّبه جمهور العلماء إلى "طلاق المُكره" لأن الرجل أكره عليه جراء وقوعه في السحر فلا يقع "وهذا لو كان السحر الذي مسه شديداً غيب عقله أو إرادته"، أما لو كان السحر "مؤقتاً" بحيث يفقده عقله أحياناً ويفيق منه أحياناً أخرى فيكون حكمه هنا "كالمغشي عليه"، يكلف حال إفاقته "فيقع طلاقه"، ويعفى حال جنونه "فلا يقع طلاقه".

ولو كان السحر الذي وقع بالرجل –في قضية الطلاق ذاتها- غير متعلقٍ بالتفريق بين الزوجين "فكان الزوج عاقلاً لكل ما يفعله مع زوجته، فإن طلاقه لزوجته حينذاك يقع".

وشدد د.العف على ضرورة أن يلجأ من يشعر بأن فيه سحراً إلى علاج نفسه بالرقية الشرعية، سواءً بنفسه أو على يد أحد أهله وثقاته، منبهاً إلى ضرورة التزام المسلم بقراءة الرقية الشرعية في بيته يومياً على بدنه وأبنائه حفظاً لهم من شياطين الجن والإنس.