بينما تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي فرض حصارها المشدد على قطاع غزة منذ عام 2007، تبقي السلطة الفلسطينية ملف تحويلات العلاج بالخارج بيدها، وسط ضبابية وغموض تحيطان بالمعايير التي يتم على إثرها منح أو منع التحويلات، وفق ما يرى باحثان قانونيان.
تقليصات السلطة
وبين الباحث القانوني في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان فضل المزيني أن السلطة الفلسطينية التي تقوم بتغطية تكلفة التحويلات للخارج بدأت بالفترة الأخيرة بتقليص عدد المرضى المحولين من غزة للخارج، عادّا أن الأمر "يندرج تحت إطار المناكفات السياسية والصراع بين حركتيْ فتح وحماس واستخدام المواطنين وتحديداً المرضى للضغط على الطرف الآخر"، حسب قوله.
وقال المزيني لـ"فلسطين": "إن التحويلات ليس المجال الوحيد الذي تضغط فيه السلطة على ملف الصحة بغزة، إذْ أنها تُقلص أصناف الادوية والمستهلكات الطبية المحولة لغزة ولا تحولها بالقدر الكافي الذي يحتاجه قطاع غزة مما يجعل هناك فقداناً لعشرات الأصناف من الأدوية في خزائن الوزارة في غزة".
وأشار إلى أن انعكاسات المناكفات السياسية على المرضى تحديداً، خطيرة جداً، حيث أن هناك مرضى بأمراض مستعصية وخطيرة لا يتوفر لهم علاج ويتم تحويلهم للعلاج في الخارج بعد عجز أطباء غزة عن علاجهم، ولكن عند رفض السلطة تغطية تحويلاتهم مالياً تصبح حياتهم في خطر.
ولا يتوقف الأمر عند ضغوطات السلطة -وفقاً للمزيني- بل يرافقه إجراءات للاحتلال تتمثل في حرمان مئات المرضى من السفر للخارج لتلقي العلاج وفرض قيود مشددة على سفرهم إما بمنع بعضهم كلياً من العلاج أو سفر مرافقيهم أو اعتقالهم أو اعتقال مرافقيهم.
وقال: "ومن تلك الإجراءات تعريض المرضى للتحقيق عبر حاجز بيت حانون رغم تدهور أوضاعهم الصحية او الادعاء بأن العلاج لأمراضهم يتوفر في غزة وعدم منحهم التصريح اللازم للعلاج رغم أن الوضع الصحي الصعب في غزة جعل علاج العديد من الأمراض مستحيلاً مما زاد عدد الحالات المحولة للخارج".
وأشار المزيني إلى أن سلطات الاحتلال لا زالت تفرض قيوداً مشددة على حركة تنقل المرضى عبر معبر بيت حانون إذْ تمنع كثيرين منهم من السفر بدعوى انتماء أقارب لهم لتنظيمات المقاومة الفلسطينية كما تساومهم على الإدلاء بمعلومات تخص أقاربهم مقابل السماح لهم بالمرور للعلاج في الخارج أو العودة لغزة والموت فيها.
وقال: "كذلك انتهجت قوات الاحتلال نفس الممارسات مع مرافقي المرضى إذ حرمتهم من مرافقة ذويهم بحجة انتماء أقاربهم لتنظيمات المقاومة في مخالفة واضحة للعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي ينص على حق المريض في الوصول للخدمات الطبية".
واعتبر المزيني أن ممارسات الاحتلال والسلطة بحق المرضى، انتهاك خطير لدستور منظمة الصحة العالمية الذي أكد على أن أعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه هو أحد الحقوق الأساسية لكل إنسان وأن حق كل مريض في العلاج من الحقوق الأساسية التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وطالب حكومة الحمد الله بالوفاء بالتزاماتها تجاه مواطنيها في قطاع غزة وتقديم كافة الخدمات الأساسية لهم ومن ضمنها الخدمات الصحية والعمل على توفير التغطية المالية لجميع المرضى المحولين للعلاج بالخارج.
معايير العلاج
فيما بيّن الباحث القانوني في مركز الميزان لحقوق الإنسان، سمير المناعمة أن تحويل المرضى من قطاع غزة للخارج يخضع لمعايير تضعها دائرة العلاج بالخارج في ظل تكدس كبير لأعداد المرضى المحتاجين للعلاج.
وقال المناعمة لـ"فلسطين": "منع سلطات الاحتلال لمرافقي المرضى وأحياناً المرضى أنفسهم من السفر للعلاج ما يمثل إعاقة حقيقية أمام حصولهم على العلاج".
وأَضاف: "كما أن قطاع غزة يخضع لحصار شامل تأثر من خلاله القطاع الصحي بشكل واضح من حيث نقص الأدوية والمعدات الطبية في ظل ضعف الإمكانيات ما أثر سلباً على حق الصحة وحقوق المرضى بحصولهم على بالعلاج".
وأشار المناعمة في الوقت ذاته إلى أن المرضى والمريضات لا زالوا يواجهون من قبل الاحتلال أنماطاً مختلفة من المنع والإعاقة من الوصول للمستشفيات على خلفيات سياسية "بزعم انتمائهم لتنظيمات المقاومة" أو دون إيضاح سبب الرفض.
وبين أن سياسة منع التحويلات الخارجية، تُدخل المريض في دوامة ورحلة معاناة واسعتين حيث يأخذ موعداً بالمستشفى ثم يُفاجأ بالرفض عند الفحص الأمني ثم يأخذ موعداً جديداً ويُرفض مجدداً، ويبقى في تلك الدائرة مما يتسبب له بمعاناة تهدد حقه بالحياة".
ودعا المناعمة المجتمع الدولي والأطراف الدولية ذات العلاقة إلى الضغط على الاحتلال الإسرائيلي للالتزام بالمعايير القانونية المتعلقة بالحق بالصحة وإجباره على احترامها.