فلسطين أون لاين

​ترسيخ التطبيع والضغط على السلطة.. عصافير ضربها نتنياهو بـ"حَجَر وارسو"

...
جانب من مؤتمر وارسو (أرشيف)
الناصرة / غزة - حازم الحلو

رأى مختصان في الشأن الإسرائيلي أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو سيسعى للاستفادة من مخرجات مؤتمر "وارسو"، المتعلقة بالتطبيع مع الدول العربية من أجل ترسيخه من جهة، والضغط على السلطة لإجبارها على القبول بأي حل سياسي تتضمنه "صفقة القرن" من الجهة الأخرى.

ورجح المختصان أن يكون نتنياهو قد خطط سابقا لكل ما خرج للعلن وما تم في السر من حيثيات المؤتمر، وخاصة تلك الصور والفيديوهات التي تم تسريبها للإعلام قصدا وأظهرت المسؤولين العرب على ذات الطاولة مع نتنياهو وقيام بعضهم بلقائه منفردا أو من خلال جلسات جماعية.

وكان مؤتمر "وارسو" للأمن ومحاربة الإرهاب في الشرق الأوسط الذي عقد نهاية الأسبوع قبل الماضي في العاصمة البولندية، قد أظهر مشاهد لافتة للتطبيع بين بعض الدول العربية والاحتلال عبر جلوس نتنياهو على طاولة واحدة مجاورا لمسؤولين عرب ممن يفترض أن دولهم ترفض التطبيع مع الاحتلال قبل إحقاق الحقوق الفلسطينية.

وأظهرت الفيديوهات المسربة جلسة جمعت نتنياهو بوزراء خارجية البحرين والسعودية والإمارات، في حين خرجت تصريحات صادمة من بعض المسؤولين العرب، ومثال ذلك ما صرح به وزير خارجية البحرين خالد بن أحمد آل خليفة، الذي أكد أنه يؤمن بقيام علاقات دبلوماسية مع (إسرائيل) مستقبلاً، في حين أن المشكلة مع إيران أهم من القضية الفلسطينية، حسب قوله.

وأكد المختص في الشأن الإسرائيلي، نظير مجلي، أن العين لا يمكن أن تخطئ الحفاوة غير الاعتيادية التي أبداها الإعلام العبري تجاه ما حدث في مؤتمر "وارسو"، مشيرا إلى أن تلك الحفاوة تحمل رسائل خطيرة تتمثل في ضرب الوعي الجمعي للشعوب العربية التي ما تزال ترفض فكرة وجود دولة الاحتلال في المنطقة.

وذكر مجلي في حديثه لصحيفة "فلسطين"، أن التعاون الأمني بين دولة الاحتلال وبعض الأنظمة العربية تحت ستار محاربة الارهاب ليس جديدا، بل يحمل صفة الاستمرار من سنوات مضت، لكن أن يجلس قادة تلك الدول مع نتنياهو وبينهم أمتار قليلة، فذلك يعني الانتقال إلى مستوى أعلى من التقرب في العلاقة مع الاحتلال.

وأوضح أن نتنياهو لديه أيضا أهداف داخلية من مخرجات مؤتمر "وارسو"، حيث يبتغي لفت الأنظار عن الملاحقة القضائية التي يتعرض لها عبر الإيحاء بأنه تمكن من تحقيق إنجاز كبير عبر اختراق جدار الرفض العربي للتطبيع وهذه المرة على الملأ.

وحول إمكانية أن يكون إنجاز نتنياهو رافعة حقيقية له في الانتخابات، رأى مجلي أن الجمهور الإسرائيلي وإن وقع منه قبول ما فعله نتنياهو في مؤتمر وارسو، إلا أنه ليس من السذاجة بمكان بحيث يغفر أو ينسى تماما ما يتورط به نتنياهو من فساد في القضايا التي تلاحقه.

ويعول نتنياهو -بحسب المختص من داخل الأراضي المحتلة عام 1948م- على تسويق ما فعله بأنه إنجاز سياسي استطاع أن يحققه دون أن يدفع أي أثمان سياسية تذكر، منبهًا إلى أن هذا الإنجاز يحمل أبعادًا إعلامية وترويجية أكثر منها فوائد على أرض الواقع، نتيجة وجود علاقات في الأساس مع بعض الدول وتعاون في مجالات أمنية وتكنولوجية.

وأشار مجلي إلى أن دولة الاحتلال عموما، ونتنياهو على وجه التحديد، معنيان جدًّا بكشف أي شيء حول العلاقة مع الدول العربية، سعيًا لجر باقي الدول التي ما تزال ترفض التطبيع إلى هذه الدائرة، وذلك في أعقاب تردد بعض الدول العربية في المضي قدماً فيها قبل حل القضية الفلسطينية.

مرحلة جديدة

وأشار المختص في الشأن الإسرائيلي د. محمود يزبك، إلى أن نتنياهو كان محتفيًا جدًّا بالمواقف الجديدة إعلاميًّا لبعض الأنظمة العربية وخاصة الخليجية.

وعد يزبك في حديثه لصحيفة "فلسطين" الاحتفاء الإسرائيلي تدشين بداية مرحلة جديدة يكون التطبيع فيها على رؤوس الأشهاد.

وبيَّن أن تلك الدول انقادت عمداً أو سذاجة إلى مخطط نتنياهو ليكون مؤتمر "وارسو" منصة اعتماد التواصل مع الدول العربية بحجة محاربة الإرهاب، والضغط على إيران التي يراها الخليج "بعبعا" لن يقدر عليه.

وأوضح أنه يمكن ملاحظة تراجع أهمية القضية الفلسطينية لدى الأنظمة العربية مع ارتفاع مواجهة إيران، منبها إلى أن هذا الأمر سينعكس سلبا على القضية الفلسطينية، والدعم المادي والمعنوي الذي كانت تقدمه الدول العربية خلال سنوات الرفض السابقة.

وحذر من أن نتنياهو سيستخدم هذا الأمر للضغط أكثر على السلطة الفلسطينية لمحاولة "عصرها" حتى آخر نقطة في المواقف الفلسطينية، وإجباره على القبول بأي حل ترتضيه الإدارة الأمريكية ومن خلفها دولة الاحتلال.

وذكر أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة حيفا أن نتنياهو أراد أيضا من مؤتمر "وارسو" أن يقول للسلطة إن الدول العربية التي تظنون أنها تشكل عمقاً سياسياً لكم قد نفضت يديها من القضية، مستعينا بالضغط الأمريكي لترسيخ صفقة "القرن"، لتكون محصلة الأمر مخاسر جمة للقضية الفلسطينية.

وحول إمكانية استغلال نتنياهو الحدث لرفع أسهمه انتخابيا لدى الجمهور الإسرائيلي، رجح يزبك أن يكون نتنياهو قصد ذلك فعلا، مشيرا إلى أن الأخير وإن كانت لديه قضايا فساد يلاحق بسببها، إلا أنه ما زال الخيار الأول للجمهور الإسرائيلي في الانتخابات القادمة.