لم تُوقف الإدارة الأمريكية حديثها المتواصل عن إعلان تفاصيل جديدة بين الفينة والأخرى عما تُسمى "صفقة القرن" للتسوية في الشرق الأوسط، التي أقرّها الرئيس دونالد ترامب منذ توليه سدة الحكم.
صولات وجولات يُجريها مسؤولون أمريكيون مقربون من ترامب بعضها في الدول العربية؛ لإقناعها بأهمية تنفيذ تلك الخطة وإرساء التسوية في منطقة الشرق الأوسط، وحل الصراع بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي، عدا عن التصريحات الإعلامية منهم.
كانت آخر التصريحات ما كشفه كبير مستشاري الرئيس الأمريكي، جاريد كوشنير، عما وصفه بالمبادئ الأساسية لـ"صفقة القرن"، وهي الحرية والاحترام والأمن، زاعمًا أن هذه الخطة ستعالج قضايا الوضع النهائي.
ويرى مراقبون أن قدوم كوشنير إلى الشرق الأوسط يندرج في إطار الترويج لهذه الخطة، وإقناعه بمدى أهميتها وتحقيقها للسلام، وخاصة في الأراضي الفلسطينية.
ترويج الخطة
الكاتبة والمحللة السياسية نور عودة، قالت: إن كوشنير ألمح في حديثه للشق الاقتصادي من خطة ترامب، والأساسي القائم على التطبيع الاقتصادي بين الدول العربية و(إسرائيل).
ورأت عودة خلال حديثها لصحيفة "فلسطين"، أنه استبدل النقاش حول إنجاز الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني بترتيبات اقتصادية، يُمكن أن ترفع من مستوى المعيشة لبعض سكان الأرض المحتلة.
وأضافت أن تلك الترتيبات مرتبطة بقبول (إسرائيل)، مقابل عدم التطرق للأمور الجوهرية بما يشمل تقرير المصير والاستقلال وإنهاء الاحتلال، كون الخطة تتحدث عن إلغاء الحدود، لضمان تبادل البضائع.
وعدت تصريحات كوشنير "طريقة جديدة موجودة للترويج لفكر مستهلك يتلخص في السلام الاقتصادي واختزال الحقوق الوطنية"، مشددةً على أن فريق ترامب لا يعترف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، ويتعامل مع الفلسطينيين بتعالٍ وعنصرية فائقة.
واستبعدت عودة إمكانية تطبيق هذه الخطة، في ظل الرفض الفلسطيني بالمساومة على الحقوق الوطنية مقابل ترتيبات اقتصادية، منبّهةً إلى أن "كوشنير يحاول إقناع دول عربية بذلك، لكن لا يُمكن القفز عن الشعب الفلسطيني وحقوقه".
مليئة بالعيوب
ويتفق مع سابقته، المختص في الشأن الإسرائيلي نظير مجلي، حيث قال: إن كوشنير جاء للشرق الأوسط لتجنيد 5 دول عربية إلى جانب "صفقة القرن" التي وصفها بأنها "مليئة بالعيوب" وتنتقص من حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة.
وبيّن مجلي لصحيفة "فلسطين" أن الولايات المتحدة دخلت في حوار مع العرب أملًا بإقناع الفلسطينيين بقبول الصفقة، مشيرًا إلى أنها أجرت بعض التحسينات على الصفقة "لكنها لا ترتقي للمستوى المطلوب".
واستدرك: "يُمكن أن تنجح الإدارة الأمريكية في إقناعهم، إذا نجحوا في تغيير ملامح الصفقة بما يتلاءم مع الشعب الفلسطيني في إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية، وتسوية عادلة للقضية الفلسطينية".
يُشار إلى أن كوشنير بدأ بعقد لقاءات مع زعماء دول عربية لمناقشة "صفقة القرن"، منها الإمارات وسلطنة عُمان، وفق ما ذكرت صحيفة "هآرتس" العبرية.
وبيّن مجلي أن الولايات المتحدة تريد أن يكون لـ(إسرائيل) وجود شرعي في منطقة الشرق الأوسط، لافتًا إلى أن كوشنير تحدث عن قطاع غزة بأنه جزء من الكيان الفلسطيني، خلافًا للفترة السابقة.
وقد لاقت تصريحات كوشنير ردود فعل متباينة من مسؤولين إسرائيليين، فقد أبدى الوزير اليميني المتطرف في حكومة الاحتلال نفتالي بنيت قلقه من "إمكانية إقامة دولة فلسطينية في العمق الإسرائيلي"، في حين رحّب رئيس حزب "العمل" اليساري المعارض آفي غباي بتصريحات كوشنير، قائلًا: "إن الانفصال عن الفلسطينيين على أساس حل الدولتين هو مصلحة إسرائيلية".
وإزاء ذلك، فإن مجلي، يرى أن هذه التحركات تتطلب من "القيادة الفلسطينية" التحرك والتنسيق مع العالم العربي الذي سيزوره كوشنير، لمعرفة ما ستقدمه الصفقة للشارع الفلسطيني.
أما المحللة السياسية عودة، فأكدت ضرورة إنهاء الانقسام وتوحد الفصائل الفلسطينية، من أجل التصدي للضغوط القادمة على الشعب الفلسطيني.
وقالت: "إن الاستمرار في هذه الحالة المزرية من الانقسام يقوّض مقومات صمود الشعب الفلسطيني المقبل على معركة حقيقية مع الإدارة الأمريكية وما تنوي من ممارسة ضغوط إقليمية وسياسية عليه".
ومن المتوقع أن تنشر الإدارة الأمريكية تفاصيل "صفقة القرن" بعد انتخابات الاحتلال العامة، المقرر إجراؤها في التاسع من إبريل/ نيسان المقبل.