هناك من لا يؤمن بالتنوع ولا يرى إلا نموذجه, ويعتقد بصوابية قراره رغم كارثيته, يرى صورته في المرآة منافسة له, قد ينفعل ويكسرها لا يريد له منافسا, نماذج كثيرة من هذه النوعية المستفزة, يعج بها الواقع السياسي الفلسطيني, يرى بالشأن العام ملكية خاصة حزبية, يتحدث وكأن الآخرين عبيد مسلوبو الإرادة والتفكير, لا يقبل التنافس الشريف أو اختبار صناديق الاقتراع أو الشراكة في العمل الوطني العام, هكذا هو مدير الجهاز - سيئ الصيت - الأمن الوقائي سابقا العقيد جبريل الرجوب, يمارس العربدة الإعلامية, ويجيد لغة الاستعلاء الفرعونية, يحاول خطب ود الإقليم بالحديث عن "الإسلام السياسي " في قطاع غزة وخطره الذي يجب أن ينتهي, يمارس الانقلاب على كل القيم الوطنية في سبيل تحقيق غايته الحزبية, يعلن كفره بالمقاومة المسلحة التي يتغنى بها تاريخيا حزبه, ينسلخ عن تضحيات السابقين من الفتحاويين الشرفاء, الذين مرغوا أنف الصهاينة في "تل أبيب" خلال عملية الشهيدة دلال المغربي وغيرها, الفريق الذي يمثله العقيد الرجوب ترك البندقية وكسر البوصلة التي تشير لفلسطين, منذ الولوج في نفق "أوسلو", وأحرق الخرائط التاريخية لفلسطين, واختزل صراع الأجداد وتضحياتهم بهدف عبثي هو إنشاء سلطة الكنتونات الوهمية, وممارسة الحكم الذاتي الذليل ذي الوظيفة الأمنية التي يكتوي بنارها شعبنا ومقاومته, لتكبر مصيبة القوم ويتعمق انحدارهم في وادي التفريط, بإعطاء الاعتراف الرسمي بكيان الاحتلال والتسليم بشرعية اغتصابه للأرض الفلسطينية, لقد صنع فريق التفاوض السلطوي بسياساتهم الغبية ما يرددون أنه "وطن" وهو عبارة عن جغرافية مجزأة ومقطعة الأوصال على مقاس الاحتياجات الأمنية الصهيونية, يريدون ظلماً وعدوانا أن يطلقوا عليه اسم فلسطين, والعجب العجاب أن يكون هذا هو المبتغى والهدف المنشود للمشروع السياسي الذي تنادي به وتتبناه سلطة أوسلو وفريقها.
وللتاريخ نسجل استفاقة الرئيس الراحل ياسر عرفات رحمه الله, من أوهام الأكذوبة التي حاولوا تمريرها عليه من بعض الأطراف العربية وبطانة السوء تحت ضغط ظروف الحصار الخانقة التي تتعرض لها منظمة التحرير آنذاك, أيقن أبو عمار بعد انقضاء سنوات "أوسلو" قانونياً, وفشل مفاوضات كامب ديفيد في عهد الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون, بأن ما حدث كان كمينا لتصفية القضية الوطنية, فأعلن أبو عمار الكفاح المسلح من جديد في انتفاضة الأقصى, فحاصره أزلام السلطة قبل حصاره من إرهابي الصهاينة, وجميعهم ساهموا في غياب الرجل مسموماً, لتبدأ مرحلة من التيه الوطني تشكل أخطر المراحل التي تمر بها قضيتنا الوطنية يقودها رئيس السلطة محمود عباس, بداية هجمة ضواري "أوسلو" كانت بعد هزيمتهم في الانتخابات الفلسطينية العامة2006, فكان القرار هو الانقضاض على هذه التجربة وإفشالها عبر سياسة الفوضى الخلاقة والخمسة بلدي, لم يتمكنوا من تنفيذ مخططاتهم فغادروا قطاع غزة, ولكنهم أطبقوا على الضفة المحتلة, ونفذوا ما يؤمنون به من قمع للمقاومة وتجريمها وتجفيف منابعها, وقتل الروح النضالية في شبابها عبر برامج متنوعة مدروسة بعناية, من أجل التأثير على القناعات الجماعية لشعبنا في الضفة, فشلت هذا السياسة, وشاهد على هذا الفشل, بطولات أهل الضفة في انتفاضة القدس في أكتوبر 2015م, إلا أن القمع والملاحقة والتنسيق الأمني كان من إستراتيجيات العمل لهذه الأجهزة الأمنية, لدرجة التباهي والتفاخر بالتنسيق والتوافق بين الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة وأجهزة الأمن الصهيونية وهذا موثق عبر تصريحات وأقوال مسموعة ومرئية.
في هذا السياق ليس غريباً أن يأتي العقيد الرجوب ليهاجم المقاومة كقيمة وطنية وخيار شعبي ووسيلة للأحرار ونهج للشرفاء في كل مكان وزمان, هل أصبحت المقاومة مشكلة؟ في أي الأعراف الدولية والتجارب الإنسانية كانت مقاومة المحتل مشكلة! في أي من ثورات التحرر العالمية كان التنسيق الأمني مع المحتل عملاً وطنياً, حتى لو كان هذا التنسيق من أجل تسهيل عملية انسحاب قوات الاحتلال من الوطن فهو مرفوض يجب أن ينسحب الاحتلال تحت النار, فلماذا يراد لنا أن نكفر بالمقاومة ضد المحتل؟ ولصالح من يتم تجريم المقاومة؟ واستغباء للجماهير يسوقون لنا نمطا استضعافيا يطلقون عليه مقاومة, حتى لا يسقط المصطلح من قاموس خطاباتهم, لتخرج لنا هذه العقلية بمشروع مقاومة ازرع ليمون ازرع تفاح لمواجهة الاحتلال, فتأتي جرافات المستوطنين فلا نستطيع حماية الليمون ولا حماية التفاح ولا حماية المزارع القروي البسيط الذي يقتل في حقله بنيران المستوطنين, في ظل خطاب السلطة وسياساتها الخانعة تتوسع المستوطنات وتتضخم وتسرق الأرض والمياه, لتتربى فيها أجساد غيلانية لعتاة المستوطنين المجرمين على خيرات أرضنا المغتصبة, ومكتوب على الفلسطيني ألا يقاوم وألا ينتفض في عرف أرباب التنسيق الأمني ودهاقنة سلطة أوسلو؟!
نصيحة للرجوب وفريقه, خطابكم المضاد للمقاومة سيكتب في صحائف سوداء يحنطها التاريخ كشواهد على من خذلوا ثورة شعبهم ضد العدو الخارجي, وصراخكم في العواصم ضد قطاع غزة ومقاومتها لن يحرك ساكناً, وتحريضكم لن يجلب لكم من يسرق لكم غزة من أيدي أبنائها, عودوا إلى رشدكم ما زال في الوقت بقية.