فلسطين أون لاين

​"علِّقوا صورتي على السلك".. وصية الطفل "يوسف" قبل استشهاده

...
صورة أرشيفية
غزة/ يحيى اليعقوبي:

"أمانة لا تبكي علي إن استشهدت.. وتعلقي صورتي على السلك لما استشهد".. هي وصية الطفل يوسف الداية (15 عاماً) لوالدته، ألّا تسكب دموع حزنها على وجنتيها عند رحليه شهيدا، وهو لا يعلم أن الدموع لغة لا تعرف الوصايا، عندما يكون الجرح غائراً.

رصاصة إسرائيلية اخترقت قلب يوسف في الجمعة الـ 48 لمسيرات العودة بمخيم العودة شرق مدينة غزة، ومعها اخترق الحزن قلب أمه، تمنت ألّا تعيش مشهد الفراق في حياتها.

يوسف كان يعيش حياة مأساوية كمعظم أطفال غزة التي تشهد تدهوراً مستمراً في الأوضاع الاقتصادية، إذ شهد إغلاق والده ورشة "الألمونيوم" الخاصة به بسبب تراكم الديون عليه.

مع تحسر يوسف على حال والده، لم يتركه طريد الديون والملاحقة في مراكز الشرطة المختلفة، فحاول رغم صغر سنه البحث في شوارع غزة عن عمل هنا وهناك، حتى عمل بمحل للملابس بمخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، كان يذهب من منزله بحي الزيتون شرق مدينة غزة إلى المخيم غرباً ويعود للبيت بخمسة شواكل كأجرة يومية.

أمام هذا الواقع الصعب، تقاطعت أحلام يوسف الذي يبحث عن حياة كريمة بات يفقدها مع أهداف مسيرات العودة المطالبة برفع الحصار، كان يذهب كل جمعة إلى الحدود الشرقية لمدينة غزة، أصيب بقدمه ويده، وظل يخاطب الضمائر الحية، حيث لم يجد من يجيب نداءه، إلا رصاصة أطلقها جندي إسرائيلي حاقد تجاه صدره فاخترقته.

سقط يوسف أرضاً وسال دمه ليروي حكاية طفل حمل هم عائلة ووطن، طفل رقيق المشاعر حنون على والديه، رحل يوسف ليترك علامة استفهام في ضمير كل حر في العالم.

ساعة ورسالة وهدية تذكارية صنعها الطفل وأدخرها من مصروفه، لتكون آخر ذكرى يضعها عند والدته قبل يومين من استشهاده، كأنه يشعر برحيله، زار ليلة الخميس بيوم خالاته وعماته مشيا على قدميه وقال لهن: "ديروا بالكم على أبويا هووحيد وعليه ديون". ترك الطفل الحزين تلك الوصية في بيت جده وكأنه يريد أن يطمئن على حالهم إن حدث له أي مكروه.

الجمعة 22 فبراير/ شباط 2019، ذكرى ستطل بحزنها كل عام على عائلة الداية، ففي هذا اليوم ارتكب جنود الاحتلال جريمة بحق طفل فلسطيني أعزل، لم يحمل سوى حق يطالب به، خرج الطفل من بيت عائلته يحمل أحلاما بريئة كأي طفل في العالم يحلم أن يعيش حياة كريمة.

عاد يوسف إلى بيته جثة تشيع على الأكتف، ألقى عليه والده ووالدته نظرة الوداع من نافذة الحسرة والألم، سحب المشيعون الجثمان وخرجوا به من المنزل، ومن نافذة المنزل أمسك الأب النعش يحاول جذب جثمان طفله مرة أخرى لداخل الغرفة ليلقي عليه نظرة وادع ثانية (وكأنه يقول في نفسه: اتركوني وطفلي.. سأطبع قبلة أخرى) مضى المشيعون إلى موارة جثمان الطفل الثرى.

في بيت العزاء غاب صوت والدته أمل الداية (43 عاما)بين سطور الوجع، نابت الدموع عنها في إصدار أنين الجرح، بضع دقائق مرت وتلك القطرات تبلل وجنتيها كغيمة عابرة اصطدمت بصاعقة فراق الابن.

تمالكت الأم نفسها وقالت لصحيفة "فلسطين": "كان قلبه علينا، بعدما تعطل والده عن العمل وأغلق محله، نام قبل استشهاده بليلة تحت قدمي ظل بقربي والآن أعاده الاحتلال جثة".

وأضافت: "ترك لي هدية جميلة، لكن جنود الاحتلال الذين ليس لهم قلب حسروا قلبي على يوسف، كان يذهب للمسجد منذ صغره يوقظ الناس لصلاة الفجر، يحزن إن لم أوقظه، كان يتمنى أن ينهي دراسته، وتتحسن الأحوال ويفك الحصار".

وتابعت الأم وهي تسكب دموع الفراق: "طلب مني ألّا أحزن عليه .. كيف لا أحزن عليك وأنت لن تعود إلي يا حبيبي ومهجة قلبي".