فلسطين أون لاين

​المهر بالتقسيط.. من تقبل؟

...
المهر في الشريعة الإسلامية حق ثابت للمرأة على زوجها
غزة/ هدى الدلو:

قرر "جهاد" الزواج، ولم يكن بحوزته سوى 1000 دينار، فبحثت والدته عن فتاة يقبل والداها تزويجها بمهر مقسط للتغلب على الظروف الاقتصادية التي يعيش فيها أهالي قطاع غزة، ويعد بعضٌ المهر حجر عثرة في طريق الشباب المقبلين على الزواج، فلجؤوا إلى تقسيطه بدلًا من دفعه مرة واحدة.

تحايل على الظروف

مصطفى نصر (33 عامًا) قال: "تقسيط المهر تحايل على الأوضاع الاقتصادية الصعبة، فمن يفكر في الزواج لابد أن يكون معه على الأقل خمسة آلاف دينار".

لذلك يرى أن التقسيط جيد، "ففيه مراعاة للشاب، ولكن يجب تسجيل وتوثيق ذلك لضمان الحقوق، ولعدم حدوث أي مشاكل" أضاف نصر، مشيرًا إلى أن بعضًا يرفض التقسيط لتلافي المشاكل.

ولفت إلى أن ما ساعده على التفكير في الزواج اقتراح والده تقسيط المهر، وخطب له ابنة صديقه، وبسبب المعرفة والصداقة قبل الأمر، وأنهى تسديده المهر قبل زواجه بشهر واحد.

السمعة والأخلاق

وأوضح الحاج أبو هيثم أنه قبل المواقفة على خطوة تقسيط المهر لابد من التحقق من أن الشاب صاحب سمعة طيبة وأخلاق عالية، حتى يضمن الأب حق ابنته، إلى جانب عدم اشتراط المهر العالي.

وبين أنه بهذه الطريقة لا يضطر الشاب إلى الاستدانة لدفع المهر.

مخفف وليس مقسطًا

وللعشريني داود أبو ضلفة رأي مختلف عما هو متوقع، فمن وجهة نظره مطلوب من الشاب المقبل على الزواج دفع مهر زوجته حزمة كاملة دون تقسيط، بسبب العبء الذي يتراكم على الفتاة في تجهيز نفسها، وفي المقابل يكون المهر مخففًا، وليس مقسطًا.

وقال: "ويمكن تجاوز تقسيط المهر للزوجة بتقسيطه بالاشتراك في جمعية، ويدفعه كاملًا للزوجة خوفًا من الوقوع في مشاكل وخلافات من بداية الحياة الزوجية".

ولفت أبو ضلفة إلى أن أبرز الأسباب التي تدفع الشباب إلى التقسيط هي: الضائقة المالية، وانعدام فرص العمل، وازدياد نسبة البطالة في القطاع.

التقسيط ومشاكله

أما الشابة سماح دبور فقالت: "أعتقد أن من اقترح هذا الأمر كان كمن "إجا يكحلها راح عماها"، فكان أولى بهم الدعوة لتخفيض المهور أو إلغاء المهر المؤجل، لأن تقسيط المهور سبب لمشاكل أكبر من مشكلة غلاء المهر نفسه".

ولفتت إلى أن المهر مجرد جزء من المشكلة لأن التوابع الاجتماعية أكبر من مجرد مهر، ولأن الشباب لا يملكون المال الكافي لدفع المهر كاملًا، إضافة إلى باقي تكاليف الزواج، فيختارون تقسيط المهر.

وتابعت دبور حديثها: "أنا أعرف كثيرًا من الفتيات أهاليهم هم من يبادرون بطرح الفكرة لتسريع الزواج، وأما بعض فيرفضون لأنهم يخشون عدم التزام الخاطب بالدفع، ولأن هناك مشاكل كثيرة في المحاكم يدعي فيها الخاطب أنه دفع ولم يدفع، في حين أن العقد كتب أن الولي قد تسلم المهر".

وبينت أن هناك مشاكل كثيرة قد تظهر بسبب تقسيط المهر، أهمها عدم قدرة الخاطب على الالتزام، وبذلك تنعدم الثقة، فهو في الغالب يركن إلى أن العروس باتت ملكه، ويتوقع منها الصبر عليه، وهي تتوقع منه الوفاء بوعده لها، والأهل لا يقبلون إتمام الزواج دون دفع الباقي.

وأشارت دبور إلى أن بعضهم يقسط بـ"كمبيالات" مكتوبة، ما يؤدي إلى ارتفاع مستوى المشاكل بالحبس للخاطب لأنه لم يسدد، قائلة: "المشكلة الأهم هي تسليع الفتاة وجعل زواجها وهذا العقد المقدس والميثاق الغليظ رهينة مبلغ من المال يتشاجر عليه الطرفان، ويفقد كلاهما الثقة بالآخر، ومشكلة أخرى تنتج عن تقسيط المهور هي تعليق الفتيات في المحاكم شهورًا طويلة قد تمتد إلى سنوات، لأنها ترغب في الطلاق، وتتعلق حياتها كلها بالمهر غير المدفوع".

منع للانحراف

ومن جهته عد الاختصاصي الاجتماعي حسام جبر تقسيط المهر إيجابيًّا، لما يعانيه المجتمع من ظروف اقتصادية سيئة.

وبين أنه يمنع الانحراف، ويحافظ على البناء الاجتماعي تحت إطار وشكل قانوني وأخلاقي بين أبناء المجتمع، ويحد من تفشي السلوكيات السلبية.

وقال جبر: "ومن سلبيات الأمر صعوبة توفير الفتاة احتياجاتها، وقد يواجه مبدأ التقسيط تحديًا يتمثل في عدم القدرة على الوفاء بالمبلغ في الوقت المتفق عليه، ما يؤدي إلى توتر العلاقة".

ونبه إلى أن هذه الفكرة تلقى عند بعض رفضًا خوفًا من أن تكون بابًا للمشاكل بعد الزواج، ولكن من شأنها مساعدة الشباب، وتقليل نسبة العنوسة، بوجود ضمانات تحفظ حق الفتاة في مهرها.

توثيق التقسيط

وبدوره أوضح د. زياد مقداد (أستاذ مشارك في الفقه وأصوله بالجامعة الإسلامية) أن المهر في الشريعة الإسلامية حق ثابت للمرأة على زوجها، فكل من أراد الزواج يلزمه تسمية مهر لزوجته يقدمه لها وجوبًا بالطريقة المتفق عليها، بمعنى إما الدفع نقدًا مرة واحدة عند العقد، أو دفعات متفقًا عليها بين الزوجين قبل العقد وبعده، لقوله (تعالى): "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة.."، دلالة على وجوب دفع الزوج المهر لزوجته، ولكنها لم تلزم الزوج بدفعه مرة واحدة أو دفعات.

وقال: "فعلى ذلك تقسيط المهر جائز، إن وافقت الزوجة ووليها، فإن لم توافق الزوجة فلا تجبر عليه، وإن قبلت فإنه يصبح دينًا في ذمته يلزمه دفعه وفق الاتفاق بينهما قبل الزفاف أو بعده".

وأضاف د. مقداد: "وأرى أنه من المستحب موافقة الزوجة وأهلها في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة على تقسيط المهر تسهيلًا للشباب، خاصة إذا كانت الزوجة مطمئنة إلى دينه وخلقه ووفائه، ولا مانع أن تتنازل الزوجة عن جزء من المهر بطيب من نفسها، سواء كان المهر مدفوعًا كامله أم كان مقسطًا، لقوله (تعالى): "فإن طبن لكم عن شيء منه نفسًا فكلوه هنيئًا مريئًا".

في المقابل نصح الزوجات وأولياء أمورهن -إذا وافقوا على التقسيط- بتوثيق الأقساط بالضمانات اللازمة؛ حفاظًا على حق الزوجة من النكران والضياع، بالكتابة أو الإشهاد أو غير ذلك.

وفيما يتعلق بسؤال القاضي ولي الزوجة عن تسلمهم المهر قال د. مقداد: "الحق أن يصدقوا القاضي القول، فإن تسلموه كاملًا قالوا تسلمنا، وإن قسطوه قالوا ذلك وبينوا طبيعة وطريقة التقسيط، فإن هذا أبعد عن وقوع الشبهات والخصومات بعد ذلك، ولحفظ حق الزوجة".

ولفت إلى أنه ينبغي الابتعاد عن المجاملات، والأخذ بالاحتياطات والضمانات اللازمة لحفظ حق الزوجة في مهرها المتفق المقسط، حتى لا يقعوا بالمشاكل التي تحدث اليوم، ما يتسبب في إفساد الحياة الزوجية أو تدميرها وإنهائها بخلافات ونزاعات وأحقاد بين الزوجين والعائلتين.