قائمة الموقع

​لا تطل خطبة الجمعة لتجذب الجمهور

2019-02-21T11:53:06+02:00

على الرغم من كون صلاة الجمعة فريضة تعبدية، إلا أن لها في الإسلام حكمة وغاية، شأنها في ذلك شأن سائر الفروض التعبدية الأخرى، ولعل أولى حِكم صلاة الجمعة الألفة والمحبة واجتماع المسلمين، إضافة إلى التذكير بحقوق الله والالتزام بأوامره ونواهيه، ولكن البعض يذهب للصلاة دون حضور الخطبة، أو يحضرها وقلبه منشغل.

الداعية الدكتور محمد العامودي قال: "لصلاة الجمعة أهمية في الإسلام، وعظيم أثر في تعليم المسلمين أمور دينهم، وتذكيرهم بربهم وآخرتهم، وتصحيح مفاهيمهم وأفكارهم المغلوطة عن الإسلام، وتقويم اعوجاجهم في سلوكهم وأخلاقهم، إضافة لفوائدها الاجتماعية الكبيرة والخطيرة".

وأشار إلى أن أداءها على الوجه الأكمل كما طلب الإسلام ما زال دون المأمول، فهناك فجوة بين الثمرة المرجوة من أداء هذه الفريضة على الفرد والمجتمع المسلم، وبين الواقع الذي يوحي بضعف تأثير صلاة الجمعة على المسلمين.

وأضاف العامودي: "فيعد البعض أنه ليس من الضروري حضور خطبة الجمعة والمهم الصلاة، ولكن صلاة الظهر بطبيعتها 4 ركعات، وصلاة الجمعة ركعتان والخطبة تجزي عن الركعتين الثانيتين، كما يجب الانتباه لما يقوله الخطيب والإنصات بعيدًا عن الانشغال في الجوال أو الحديث، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى وَفَضْلُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ".

وذكر قول الحافظ ابن حجر رحمه الله بعد أن ذكر الأحاديث في فضل صلاة الجمعة: وَتَبَيَّنَ بِمَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ تَكْفِير الذُّنُوب مِنْ الْجُمُعَة إِلَى الْجُمُعَة مَشْرُوط بِوُجُودِ جَمِيع مَا تَقَدَّمَ مِنْ غُسْل، وَتَنْظف، وَتَطَيُّب، أَوْ دَهْن، وَلُبْس أَحْسَن الثِّيَاب، وَالْمَشْي بِالسَّكِينَةِ، وَتَرْك التَّخَطِّي، وَالتَّفْرِقَة بَيْن الاثْنَيْنِ، وَتَرْك الأَذَى، وَالتَّنَفُّل، وَالإِنْصَات، وَتَرْك اللَّغْو.

وبين أن الله اختص هذه الأمة وحدها بهذه العبادة، إلا أن واقع خطبة الجمعة في عصرنا الحالي يضج بالملاحظات والهفوات التي كان لها كبير الأثر في عدم تحقيق المأمول من تشريع الله لها، ولعل أهم هذه الملاحظات تتعلق بالخطيب وموضوع خطبة الجمعة والوقت.

ونبه العامودي إلى أن أهم الملاحظات على الخطيب وأكثرهًا وضوحًا وظهورًا والتي تسبب حالة من الضيق وعدم انسجام المصلين، إشاعة الخطأ واللحن في اللغة العربية كثيرًا، حتى يصل الأمر عند البعض إلى الخطأ في تلاوة الآية القرآنية أو ذكر الحديث النبوي أثناء الخطبة، ويمكن تجاوز هذه الملاحظة بالعودة إلى أصول اللغة العربية تعلمًا وممارسة بالتدريب على عدم اللحن أثناء الكلام، وهذا يحتاج بلا شك إلى جهود شخصية من الخطيب، إضافة إلى جهود من المؤسسات الدينية بإقامة دورات تنمية مهارة سلامة التحدث باللغة العربية لغويًا ونحويًا.

وتابع حديثه: "بالإضافة إلى عدم قدرة الخطيب على التأثير على المستمعين، فمع الاعتراف بدور خطبة الجمعة في تعليم الناس أمور دينهم، وإزالة الشبهات التي تحوم حول عقيدتهم، إلا أن ذلك لا يعني أن تتحول إلى محاضرة علمية بحتة، تخلو من الحالة الإيمانية المطلوبة".

وبين د. العامودي أن الحقيقة أنه لا يمكن للخطيب أن يؤثر في الناس إيمانيًا وعاطفيًا إلا إذا كان حاضر القلب فيما يقول ويعظ، متأثرًا ومتفاعلًا مع الكلام الذي يلقيه على الناس، منفذًا ومطبقًا لما يقول قدر المستطاع، فلسان الحال أبلغ من لسان المقال كما هو معروف، والكلام الذي يخرج من القلب يصل إلى القلوب بلا استئذان، والكلام الذي يخرج من اللسان لا يتجاوز الآذان.

ونبه أن اختيار وانتقاء موضوع خطبة الجمعة يحتاج إلى كثير من العناية والاهتمام من الخطباء، فلا بد أن تلامس واقع الناس وهمومهم، ولا نلمس وجود تركيز من خلال برنامج موضوعي لمعالجة هذه السلبيات بتناولها عبر سلسلة من الخطب المتتالية أو المتفرقة.

وأما عن وقت الخطبة بين التطويل والتقصير، فعلى الرغم من أنه ورد في السيرة النبوية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطيل خطبته أحيانًا ويقصرها أخرى، بحسب حاجة الناس وتغير الأحوال، فقال د.العامودي: "إلا أن المشهور من سنته صلى الله عليه وسلم أنه يتوسط ويقصر الخطبة، ويؤكد ذلك حديث جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: "كُنْتُ أُصَلِّى مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم الصَّلَوَاتِ فَكَانَتْ صَلاَتُهُ قَصْدًا وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا"".

"وإذا أردنا أن نلتمس العذر لطول خطبة بعض الخطباء الذين يجيدون انتقاء الموضوع ويتقنونه, ويجذبون انتباه واهتمام المصلين من شدة تفاعلهم وحرصهم على نفع المسلمين والتأثير فيهم، فإن طول الخطبة دون إتقان للموضوع ولا تفاعل أو شد لانتباه المصلين، مع تكرار بعض العبارات والأفكار، إضافة لكثرة الأخطاء اللغوية وربما الشرعية، يثير الكثير من تذمر المصلين واستيائهم.

وبين أن الالتزام بسنته عليه الصلاة والسلام في التوسط بوقت خطبة الجمعة يساعد في معالجة ظاهرة تأخر كثير من المصلين عن أول وقت صلاة الجمعة بحجة أن الخطيب يطيل الخطبة -رغم عدم شرعية ذلك- كما أنه أدعى لاستيعاب مضمون الخطبة وفهمها ومن ثم تطبيقها، فإن كثرة الكلام ينسي بعضه بعضًا، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى.

اخبار ذات صلة