شهدت المدينة المقدسة سلسلة اعتداءات واقتحامات للمسجد الأقصى المبارك، وقد تصدى شعبنا لكل هذا الممارسات، ولكن الاحتلال لا يتوقف ولا يهدأ، ويتمادى بكل الطرق والوسائل في هذه الاعتداءات والعمل باستمرار في محاولات التهويد، فهودت سلطات الاحتلال حائط البراق وغيرت مسماه الى "حائط المبكى" وكذلك فعلت بباب الاسباط وباب المغاربة والمصلى المرواني، واليوم تتمادى سلطات الاحتلال في اجراءاتها التي تستهدف باب الرحمة والساحة التي أمامه، فبعد اغلاقه منذ عام ٢٠٠٣، وتجديد هذا الاغلاق بين فترة وأخرى ووضع حراسة عليه من شرطة الاحتلال وضعت هذا الأسبوع أقفالا جديدة على الباب، ما أثار أهالي المدينة والمؤسسات الدينية وكل مؤسسات المدنية، وأدت ردة الفعل الى ما شاهدناه من مواجهات واعتقال قوات الاحتلال عددا من المواطنين.
الهدف المعلن من هذا الاجراء هو اقامة سلطات الاحتلال كنيسا يهوديا في ساحة باب الرحمة، ليتم بذلك تقسيم الحرم الشريف مكانيا، وهي استخدمت وتستخدم بذلك سياسة الخطوة خطوة، وتستغل الظروف وتعمل على تهيئتها لتنفيذ هذا المخطط التهويدي، ويأتي هذا التسارع لتقسيم المسجد الاقصى خاصة والمدينة المقدسة عامة، منذ إعلان إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتصهينة القدس عاصمة لدول الاحتلال ونقلها السفارة الاميركية اليها، وسلطات الاحتلال الاسرائيلي تسارع الزمن من أجل استكمال تهويد القدس، وتقسيم المسجد الأقصى وصولا في نهاية الأمر الى هدمه واقامة الهيكل المزعوم مكانه كما ذكرت في السابق وفي اكثر من مرة.
هذا الباب الذي يسميه اليهود (الباب الذهبي) هو أجمل أبواب المسجد الأقصى على الإطلاق، بل هو أجمل أبواب القدس القديمة كلها، حيث لا يجوز حجب جماله وجمال أعمدته وهندسته عن الناظرين ومحبي التراث، لأنه تراث إنساني وليس إسلاميا، إذًا الهدف من وراء هذا التصعيد الاسرائيلي الجديد بوضع أغلال وقبلها حاولت وضع بوابات الكترونية وكاميرات تجسسية على مداخل المسجد الاقصى هو اقتطاع جزء لا يتجزأ منه وإخضاعه للسيطرة الإسرائيلية مثل باب المغاربة، وربطه بالمخططات الإسرائيلية المكشوفة مثل القطار الهوائي، وتمزيق مقبرة باب الرحمة مثل مقبرة مأمن الله واندثارها، والهدف الرئيس هو الإعداد لتقسيم المسجد الأقصى مكانيا بعد ان قسمته زمانيا، من خلال اغلاقه أمام المسلمين لساعات في النهار والسماح للمستوطنين بالدخول إليه خلال هذه الساعات وتأديتهم صلوات تلمودية في باحاته.
منذ الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية عام 1967 لم تتوقف الاعتداءات على المواقع الدينية الإسلامية، بل شهدت في الآونة الأخيرة تحريضا إسرائيليا رسميا وحزبيا ودينيا تمثل في الاقتحامات اليومية من المستوطنين واليمين الإسرائيلي وإقامة الصلوات في ساحات الأقصى وباحاته.
ولا يمكن لعاقل تخيل توقف المستوطنين عن هذه الممارسات المجنونة، بل سيشهد المسجد الأقصى مزيدا من هذه المحاولات الإسرائيلية المجنونة اليمينية المتطرفة، فقد أضحت الخطة الإسرائيلية العدوانية واضحة تماما. وتخرق "الوضع القانوني القائم " بشكل واضح باد للعيان لا يحتاج إلى فحص أو تدقيق. وهذا الأمر يشكل نهجا إسرائيليا وليس صدفة أو أمرأ عابرا بل هو أمر مخطط له بشكل أكيد، فالهجمة التهويدية الاستيطانية على كل الاماكن المقدسة، فلم تقتصر هذه الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى وباحاته ومصاطبه وأبوابه ومدارس العلم فيه، بل امتدت إلى مساجد أخرى في الضفة الغربية المحتلة، كان أبرزها الحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل، والاستيلاء على جامع بلال بن رباح في بيت لحم بحجة أنه قبر راحيل، ومقام النبي يوسف في نابلس بحجة صلته بالنبي يوسف عليه السلام. ومن نافل القول إن كثيرا من المساجد الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة عام 1948، اعتُدي عليها وحولت لمطاعم وبارات وساحات للرقص.
حذرنا أكثر من مرة بأن القدس في خطر، وأن المسجد الأقصى في خطر، وأن على الأمتين العربية والإسلامية التحرك العاجل من أجل إنقاذ أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين، الذي بات قاب قوسين أو أدنى من الانهيار، بسبب الحفريات التي جرت وتجري اسفله تمهيدا لهدمه واقامة الهيكل المزعوم مكانه، فالمطلوب من الأمتين العربية والاسلامية الوقوف وقفة جادة أمام ما يتعرض له المسجد الأقصى خاصة والقدس عامة، فالمسجد الأقصى هو مسرى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وهو جزء من عقيدتهم. من الواجب عليهم حمايته وليس السكوت على ما تقوم به دولة الاحتلال، بل وتساوق البعض معها والذهاب إلى التطبيع المذل، فإن التاريخ لن يرحم مَن تساوق وفرط بحقوق العرب والمسلمين، خاصة أن المسجد الأقصى هو خاص بالمسلمين وحدهم، ولا يحق لأحد سواهم العبث به وتقسيمه أو هدمه تحت ادعاءات لا أساس لها.