لا تتوقف انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي بحق الأسرى الفلسطينيين داخل سجونه عند أسلوب أو حد معين، فهي تتنوع إلى التعذيب الجسدي والنفسي والعزل الانفرادي، إلى جانب الحرمان من التعليم أو زيارة الأهل، فضلًا عن منع الرعاية، الطبية والمماطلة المتعمدة في تقديم العلاج للأسرى، وتحديدًا المرضى منهم.
واعتاد الاحتلال اللجوء إلى كل الوسائل والأساليب غير الإنسانية المتعارضة مع قواعد القانون الدولي الإنساني، وبخاصة في تعامله مع الأسرى الفلسطينيين، إذ إن ممارساته المتبعة "انتهاك صارخ للأعراف والمواثيق الدولية، خصوصًا تلك المتعلقة بكيفية التعامل مع أسرى الحرب"، وفق ما أكد مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات.
الناطق الإعلامي لمركز أسرى فلسطين للدراسات رياض الأشقر يوضح أن الاحتلال يمارس على الأسرى الفلسطينيين جملة من الانتهاكات، التي ينتج عنها تدهور حاد في الحالة الصحية للأسرى، وتهديد حياتهم بخطر الموت، مشيرًا إلى أن تلك الانتهاكات تتعدد إلى: الإهمال الطبي، والتعذيب، والقتل العمد للأسير داخل السجن أو في أثناء اعتقاله.
ويقول الأشقر لصحيفة "فلسطين": "الإهمال الطبي من أبرز الانتهاكات بحق الأسرى داخل سجون الاحتلال، الذي يتعامل مع الأسرى كأرقام لا قيمة بشرية لهم، ما يجعلهم عرضة دائمة للأمراض مختلف أنواعها، مع وجود رعاية صحية شكلية بل شبه معدومة في غالب الأحيان".
ويضيف: "إن الاحتلال يربط تقديم الرعاية الطبية للأسير بالابتزاز والمساومة أو انتزاع "الاعترافات"، وذلك خرق صريح لاتفاقية جنيف الرابعة التي أوجبت وأكدت في إحدى موادها حق العلاج وتوفير الأدوية المناسبة للأسرى المرضى، وإجراء الفحوصات الطبية الدورية لهم.
ويشير الأشقر إلى أن حالات الوفاة بسبب التعذيب القاسي في غرف التحقيق أو نتيجة التصفية المباشرة داخل السجن تراجعت في السنوات الماضية، مقابل ارتفاع أعداد الشهداء الأسرى نتيجة سياسة الإهمال الطبي، وكان آخرهم عميد أسرى قطاع غزة الشهيد فارس بارود.
وتماطل إدارات سجون الاحتلال بنقل الحالات المرضية المستعصية إلى المراكز الطبية اللازمة، بل الأسوأ من ذلك أن عملية نقل الأسرى المرضى والمصابين في حوادث القمع تكون بسيارات شحن عديمة التهوية، التي تعرف عند الأسرى بـ"سيارة البوسطة"، بدلًا من نقلهم في سيارات إسعاف مجهزة.
بدوره يتحدث الأسير المحرر عبد الهادي خلف عن أساليب الاحتلال في استهداف الأسرى بسجون الاحتلال، مؤكدًا أن الإهمال الطبي من أبرز الأساليب التي يتبعها الاحتلال بحق الأسرى، وتكون نتيجتها في غالب الأحيان استشهاد الأسير المريض داخل زنزانته، أو الإفراج عنه وهو مصاب بمرض مزمن.
وفي حديث إلى صحيفة "فلسطين" يقول خلف، الذي عايش سياسة الإهمال الطبي من قرب طوال ثماني سنوات من الأسر: "الطبيب في سجون الاحتلال هو الطبيب الوحيد في العالم الذي يعالج جميع الأمراض بأقراص المسكن مع كأس ماء"، مشيرًا إلى أن عيادات سجون الاحتلال تفتقر إلى وجود عدد كاف من الأطباء رغم سوء معاملتهم للأسرى.
ويبين أن الطبيب الذي يتابع حالات الأسرى مرة واحد أسبوعيًّا هو أساسًا عنصر أمني من إدارة سجون الاحتلال، متابعًا: "مثلًا ضابط الاستخبارات المسؤول حاليًّا في إدارة السجون يوفال بيتون كان قبل سنوات طبيبًا في سجن الرملة".
وتتنوع انتهاكات الاحتلال في إطار الإهمال الطبي إلى عدم وجود غرف أو عنابر عزل للمرضى المصابين بأمراض معدية، وحرمان الأسرى ذوي الأمراض المزمنة أدويتهم، وعدم تقديم وجبات غذائية صحية مناسبة للأسرى، تتماشى مع الأمراض المزمنة التي يعانونها، وتقديم أدوية منتهية الصلاحية للأسرى.
وكذلك تعاني الأسيرات عدم وجود اختصاصي أو اختصاصية أمراض نسائية، فضلًا عن إجبار الأسيرات الحوامل على الولادة وهن مقيدات الأيدي، دون الاكتراث لمعاناتهن وآلام المخاض والولادة.
وبحسب تقرير إحصائي صادر عن وزارة الأسرى والمحررين نهاية 2018م إن من الأسرى المرضى في سجون الاحتلال الإسرائيلي: ما يقارب 95 مصابًا بالإعاقة والشلل، و25 مصابًا بمرض السرطان والأورام ، و23 أسيرًا يقيمون دائمًا في ما يعرف بـ"عيادة سجن الرملة".