بكت الجماهير العربية، أمس، خطيب المسجد الأقصى سابقًا، والرئيس الأسبق للجامعة الإسلامية بغزة، الشيخ محمد صيام، في العاصمة السودانية الخرطوم، إثر جلطة دماغية ألمت به.
وشهدت الخرطوم ظهر أمس تشييعًا مهيبًا للشيخ صيام الذي ولد في مصر عام 1932، وتتلمذ على يد والده محمود، الذي كان أحد علماء الأزهر، حسبما ذكر رفيق دربه في التعليم والتدريس عمر أبو عبيد.
وفي اتصال هاتفي، قال أبو عبيد لصحيفة "فلسطين": "عمل الشيخ الراحل في الكويت معلمًا للغة العربية والتربية الإسلامية، ثم عمل مديرًا للمدرسة، ثم تم انتدابه ليكون رئيسًا للجامعة الإسلامية في غزة لمدة عامين، وفي ذات الوقت خطيبًا للمسجد الأقصى".
واشتهر الشيخ صيام بأنه أحد الأدباء المعروفين في اللغة العربية، عدا عن كونه شاعرًا معروفًا له عدة دواوين شعرية.
وقد كان الشيخ صيام من مؤسسي جماعة الإخوان المسلمين، وأحد مؤسسي حركة المقاومة الإسلامية حماس.
ويعود أبو عبيد بذاكرته لأحد المواقف التي تظهر صلابة الشيخ صيام وتحديه للاحتلال الإسرائيلي، فيقول: "عندما كان الشيخ يذهب للمسجد الأقصى حرص على وضع مسجل صغير في جيبه لتسجيل خطبه، وفي إحدى المرات كانت قوات الاحتلال تستدعيه وتحقق لتعاقبه على خطبه المشهورة، وما كان منه إلا أن حاججهم وأسمعهم كلامه المسجل ثم قال: هذا الذي أؤمن به وأصر عليه".
أما في قطاع غزة، فكان الشيخ يُستدعى من الحاكم العسكري، وكان يوجه له تهمًا بأنه يحرض طلبة الجامعة الإسلامية على الخروج ضد الاحتلال، لكنه بقي ثابتا على مواقفه حتى يئست سلطات الاحتلال من ترويضه إلى أن أبعدوه إلى الخارج، يضيف أبو عبيد.
ولخّص كلامه بقوله: "الشيخ هو اللاجئ الفلسطيني، المجاهد الثابت على الطريق، عاش من أجل القضية وثبت على هذه المبادئ ومات عليها".
أما النائب في المجلس التشريعي د. أحمد أبو حلبية، ورفيق درب الشيخ صيام، يروي لـ"فلسطين" أبرز محطات حياته كونهما كانا زملاء دراسة في جامعة أم القرى في مكة المكرمة، وبعد ذلك زملاء في أفنية الجامعة الإسلامية بغزة، حيث كانا مدرسين فيها.
ويقول أبو حلبية: "كان الشيخ صيام معلمًا وموجها للغة العربية في الكويت عام 1960، وفي عام 1969 ابتعث للسعودية فنال درجة الماجستير من جامعة أم القرى بمكة المكرمة، وفي 1980 نال درجة الدكتوراه من ذات الجامعة".
وبعد ذلك جاء لقطاع غزة، وعمل في الجامعة الإسلامية مدرسًا في قسم اللغة العربية، ثم أصبح عميدًا لكلية الآداب، وبعد ذلك ارتقى ليصبح قائمًا بأعمال رئيس الجامعة لمدة حوالي عامين.
وحسب أبو حلبية، كان صيام رئيسًا للجامعة في مرحلة خطيرة جدا، حيث الاعتداءات والمداهمات والاعتقالات، إلا أنه كان قويا في مواقفه لا يلين أمام الصدمات، وكان يقف أمام أي عدوان على الجامعة سواء من الاحتلال الإسرائيلي، أو من بعض الفصائل التي كانت تحاول تغيير نهج وفلسفة الجامعة.
كما أنه كان حريصًا على الجامعة ومصالحها، فحينما كان يسافر خارج القطاع حرص على خدمتها من خلال علاقاته الخارجية المميزة في دول العالم سواء بالدعم المالي أو الأكاديمي، حيث إن الإسلامية آنذاك كانت وليدة النشأة.
ويكمل أبو حلبية في وصف مناقب صديقه، بالقول: "كان له دور كبير في نصرة الدعوة الإسلامية، فخلال فترة رئاسته الجامعة الإسلامية عُيّن خطيبًا للمسجد الأقصى المبارك، وكان يذهب من قطاع غزة إلى الأقصى في الجمعة المحدد له الخطابة فيها، وكان ذلك في كل شهر مرة".
وأشار إلى أنه كان خطيبًا مفوهًا جهوري الصوت، وكان أحب المنابر إليه منبر المسجد الأقصى، وكان يفتخر أينما ذهب بخطابته هناك، حتى أنه حمل لقب "خطيب المسجد الأقصى".
وتميّز صيام بكتابة الشعر حتى أصبح من شعراء القضية الفلسطينية والدعوة الإسلامية، وقد أصدر مجموعة من الدواوين المطبوعة، أهمها:دعائم الحق 1981، ملحمة البراعم 1982، ميلاد أمة 1987، سقوط الرفاق 1990، ديوان الانتفاضة 1990، الاغتيال منهج الاحتلال 2004، ديوان ذكريات فلسطينية 2007، ديوان يوم في المخابرات العامة 2008.
ويتابع أبو حلبية: "كان رحمه الله، يحب إشعال نفوس الجماهير بأبياته الشعرية الحماسية وجُلها كان عن القضية الفلسطينية وعدالتها ونصرتها، وأشعاره تعد سلسة الحفظ، عدا عن أنها تعطي تعبيرًا قويا ودلالات كبيرة عن الأحداث التي يكتب عنها".
وبعد نشوب انتفاضة الحجارة عام 1987، اتهمته سلطات الاحتلال بتوزيعه منشورات لحركة حماس، فقررت إبعاده للخارج، فذهب إلى الكويت وعمل هناك في حقل الدعوة الإسلامية إلى أن حدثت الأزمة بين الفلسطينيين والكويت، فذهب إلى السودان وعمل ممثلًا عن حركة حماس، ثم انتقل إلى اليمن وعمل رئيسًا لرابطة فلسطين، وعميدًا لمعهد الشيخ عبد الله الأحمر للدراسات والمعارف المقدسية فيها، مع مناصب ومواقع عديدة هناك.
وبعد الأزمة التي يعيشها اليمن منذ 2011، عاد صيام مرة أخرى للعاصمة السودانية الخرطوم، وعاش فيها حتى وفاته أمس.