فلسطين أون لاين

الطبيبة "تسنيم".. مرارة "الغربة" تمتزج بفرحة "الامتياز"

...
القاهرة – غزة/ ربيع أبو نقيرة:

ظروف صعبة مرت بها بطلة قصتنا لم تثنها عن مواصلة الطريق الذي بدأته، نحو تحقيق حلمها منذ الصغر، والحصول على لقب "طبيبة" بجدارة.

"امتياز مع مرتبة الشرف" لقب رافق الطالبة تسنيم حمدان محمد أبو لبدة (25 عامًا) عند انتهائها من دراسة تخصص الطب البشري، وسيظل خلال مسيرتها المهنية.

الطالبة أبو لبدة فلسطينية الجنسية، من بلدة بني سهيلا شرق مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، أنهت الثانوية العامة من مدرسة الخنساء بمعدل 96.6% ثم التحقت بجامعة عين شمس في مدينة القاهرة بجمهورية مصر العربية لدراسة الطب، وأنهتها بتقدير امتياز.

مسيرتها العلمية تلك بدأت عام 2012م، واستغرقت نحو سبع سنوات، أمضت أيامها كلها في الغربة، دون أن ترى أهلها، ولو مدة قصيرة، نظرًا لإغلاق معبر رفح المتكرر، إذ خافت تفويت الدراسة، إذا أغلق وهي بزيارة إليهم في غزة.

غيابها عن الأهل سبع سنوات لم يكن هيِّنًا؛ فقد كانت تعتصر ألمًا وتنزل دموعها باكية، فتلجأ إلى سجادة الصلاة تلهج بالدعاء، أن يصبرها المولى، ويجمعها بهم في خير.

وعن ذلك قالت أبو لبدة في حديثها إلى صحيفة "فلسطين": "كنت عندما أدخل في حالة إحباط وخوف أتصل بأهلي؛ فيُهدّئون من روعي ويدعمونني بالكلمات؛ فكنت أزداد صبرًا على الغربة، وأستمر لتحقيق هدفي".

وأضافت: "الغربة طعمها مر، لأنه من الصعب على المغترب أن يندمج في مجتمع يختلف عن مجتمعه الذي عاش فيه وترعرع، ومرارتها (الغربة) يذوقها جميع المغتربين؛ لكن ما يزيدها مرارة وألمًا علينا الغزيين هو عدم قدرتنا على رؤية أهلنا، ولو مدة قصيرة".

وأكملت أبو لبدة: "الحالة التي يمر بها معبر رفح لا تسمح للطالب بأن يزور ذويه، وإن فعل فقد يظل عالقًا لا يستطيع العودة لمقاعد الدراسة، وستضيع فصول وسنوات دراسية عليه، وهذا ما حدث فعلًا مع طلبة أعرفهم جيدًا"، مشيرة إلى أنها قاومت الاشتياق إلى ذويها بمزيد من الجد والاجتهاد في دراستها.

وتابعت: "تقديري لتعب والدي وأهلي ووقوفهم معي ومساندتي كان دافعًا رئيسًا للاستمرار"، مضيفة: "رسوم السنة الدراسية 1500 دولار أمريكي، ومصاريف السنة تقدر بنحو 5000 دولار، هذا الطريق بدأته، وكان يجب عليّ أن أنهيه".

وتَكَاتف أفراد عائلتها: والداها وشقيقها وشقيقتها لتقديم الدعم المستمر والثقة العالية لها، لذلك كانوا مصدر قوتها، حسبما أوضحت أبو لبدة، وشكرت جامعة عين شمس لاحتوائها الوافدين، خصوصًا الفلسطينيين.

أصعب المواقف

وعن أصعب المواقف التي مرت بها أبو لبدة خلال غربتها للدراسة قالت: "في أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014م سمعت خبر مغادرة أهلي من المنزل، وقصف الاحتلال المنزل الذي لجؤوا إليه وهم بداخله".

وأضافت: "أصاب صاروخ إسرائيلي سيارة أبي، وكنت في تلك الأيام أنتظر ظهور نتيجة السنة الثانية من الدراسة، كانت أيامًا صعبة لا أدري كيف اجتزتها، وحمدت الله أن نجاهم من عدوان الاحتلال".

وأشارت إلى أن الخصومات التي فرضتها سلطة رام الله على الموظفين أثرت على دراستها سلبًا، لاسيما أن والدتها كانت تعمل مدرسة وتتقاضى راتبًا من السلطة، منبهة إلى أن الأعباء على عائلتها كانت كبيرة، خصوصًا أن شقيقتها رزان لحقت بها بعد عام لدراسة تخصص الطب في جامعة القاهرة.

وتنتظر أبو لبدة اجتياز سنة الامتياز، وهي سنة تدريبية بعد الانتهاء من دراسة الطب، تتضمن تدريبًا عمليًّا في التخصصات كافة: العظام، والقلب، والأطفال، وغيرها من التخصصات.

أما عن استقبالها النتيجة النهائية المقرونة بـ"امتياز مع مرتبة الشرف" فقالت: "كنت سعيدة جدًّا، لأن فرحتي أسعدت أهلي الذين كانوا يعيشون معي الحلم"، متابعة: "حلمي هو حلمهم، والتخرج بتقدير امتياز كان أمنية لهم، من أجل الانخراط في سوق العمل بسهولة، بعد المعاناة الطويلة".

أسرار النجاح

ومن أسرار نجاحها ذكرت أبو لبدة أولًا أنها فوضت أمرها إلى الله، وثانيًا أنها استلهمت الإرادة من دعوات والديها لها ودعمهما، قائلة: "كنت أدرس خمس ساعات يوميًّا على الأقل، وأتابع الدراسة أولًا بأول من أول يوم في السنة حتى نهايتها"، موضحة في الوقت ذاته أن نظام الدراسة سنة كاملة لا ساعات، يشبه نظام الثانوية العامة.

وبينت أنها كانت تستمع لشروحات عديدة من عدد من المحاضرين الدكاترة، في الموضوع نفسه من أجل فهمه فهمًا عميقًا، قائلة: "كنت أفعل ما يجب علي فعله، وأتوكل على الله".

وتأمل أبو لبدة إنشاء مستشفى خاص في التخصص الذي ستخوضه -وغالبًا سيكون تخصص القلب- يقدم خدماته بأسعار رمزية للمواطنين، وفق حديثها.

وفي رسالتها للطلبة الراغبين في دراسة تخصص الطب قالت: "من لديه هدف يجب عليه أن يصب تركيزه نحوه، ولا يضع للخوف مكانًا لديه، ولا يسمح لأحد بالتأثير عليه، فتحقيق الحلم ليس مستحيلًا، فقط ما نحتاج إليه هو الإرادة".