عبّر ناشطون لبنانيون عن غضبهم، إثر وفاة مواطن متأثرا بجراحه، الجمعة، بعد أن أضرم النار في نفسه، الخميس، أمام مدرسة خاصة تدرس فيها ابنته، لعدم قدرته على دفع مصاريف المدرسة.
غضب وإن بلغ ذروته على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنه امتد أيضا إلى الأوساط السياسية، حيث علق عليه قيادات حزبية بينهم من قال إنه ذكّر بواقعة محمد البوعزيزي، مفجر الثورة التونسية، قبل نحو 8 سنوات.
وفي المقابل، سارعت السلطات اللبنانية، إلى بدء تحقيق رسمي في الواقعة وملابساتها، في خطوة عدّها مراقبون محاولة لتهدئة الأوضاع في البلد العربي، الذي يعيش على وقع أوضاع اقتصادية صعبة، ناتجه عن أزمات سياسية داخلية، وظروف إقليمية ألقت بظلالها عليه.
وفي وقت سابق الجمعة، أفادت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية، بأن المواطن جورج زريق "توفي اليوم بعدما أضرم النار في نفسه" بباحة "مدرسة بكفتين"، في قضاء "الكورة"، شمالي البلاد.
وأضافت الوكالة أن "انتحاره حرقا" كان احتجاجا على رفض المدرسة إعطاءه "ورقة نقل"، ابنته الى مدرسة أخرى بسبب سوء وضعه المادي وتراكم القسط المدرسي المتوجب عليه.
وأوضحت أن الضحية نقل الى المستشفى للمعالجة إلا أنه ما لبث أن فارق الحياة.
وأثار الحادث سخطا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، وعبر ناشطون عن امتعاضهم مما جرى، واصفين ما حدث بـ"المأساة الحقيقية" التي قد تحدث لأي مواطن نتيجة الأوضاع المعيشية الصعبة وغلاء المعيشة وارتفاع الأقساط المدرسية بشكل خيالي.
ودشن ناشطون على "تويتر"، هاشتاغ "#جورج_زريق" الذي يعد الأعلى مشاهدة حتى الساعة 19.20 ت.غ، كما دشن آخرون هاشتاغ "#ثورة_الأهالي" الذي يلقى تفاعلا كبيرا أيضا.
الغضب لم يقتصر على النشطاء فقط، بل امتد إلى قيادات سياسية، حيث غرد زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، على حسابه بـ"تويتر"، قائلا: "مواطن في الكورة يذكرنا بالبوعزيزي"، في إشارة إلى التونسي الذي أشعل شرارة الاحتجاجات في تونس عام 2010.
بينما قال رئيس حزب الكتائب المسيحي النائب سامي الجميل، في حسابه على "تويتر": "أب لبناني أحرق نفسه ليكون شهيدا عن جميع اللبنانيين المقهورين الذين لا سند لهم".
وأضاف: "شهيد الضرائب والغلاء المعيشي، شهيد الاستهتار وقلّة المسؤولية، شهيد الأنانية وغش الناس".
ودعا الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى وقفة احتجاجية أمام وزارة التربية، صباح الإثنين المقبل، وطالبوا بـ"ثورة" ضد المدارس التي لا ترحم والدولة التي لا تنصف أبناءها.
في المقابل، أعلن مكتب وزير التربية والتعليم العالي أكرم شهيب، في بيان، إنه "تبلغ بكل أسف وفاة المواطن جورج زريق، الذي أشارت وسائل الإعلام إلى أنه أضرم النار بنفسه أمام مدرسة خاصة بمنطقة الكورة بسبب أوضاعه الاقتصادية التي عجز نتيجتها عن دفع الأقساط المدرسية".
وتابع شهيب، "أوعز وزير التربية والتعليم العالي، بفتح تحقيق لإجلاء الملابسات المحيطة بالحادثة".
وشدد على أن الوزارة "التي استوعبت خلال العام الجاري، في المدارس الرسمية، آلاف التلاميذ الذين انتقلوا إليها من التعليم الخاص بسبب صعوبة الظروف الاقتصادية، لم تتوان يوما عن منح الطلاب الإفادات اللازمة للتسجيل في المدارس الرسمية، انطلاقا من حق الوصول إلى التعليم للجميع".
وأعلن الوزير، أنه سيتولى متابعة تعليم ولدي زريق، وتأمين المنح اللازمة لهذا الهدف.
من جهتها، أوضحت مدرسة "بكفتين الثانوية"، حيث تدرس ابنة جورج زريق، أن الأب معفى من الأقساط، مشيرة إلى أن "كل ما يتم تداوله لا يمت إلى الحقيقة بصلة".
أما "اتحاد لجان أولياء الأمور في المدارس الخاصة" (مستقل)، فسارع إلى إصدار بيان تساءل فيه: إلى متى يبقى الإنسان أرخص شيء في لبنان؟ وكل ذلك بسبب طمع وجشع إدارات مدارس خاصة لم تعد تشبع من سرقة المواطن اللبناني فتجني أرباحا خيالية غير محقة.
وبسبب تردي مستوى التعليم في بعض المدارس الرسمية، يضطر لبنانيون إلى تعليم أبنائهم في مدارس خاصة، غير أنهم يشكون من ارتفاع مصروفات تلك المدارس.
ويضطر العديد من الأهالي إلى سحب أطفالهم من المدارس الخاصة إلى المدارس الرسمية لعجزهم عن تحمل أعباء المدارس الخاصة.
وبحسب إحصاءات رسمية، شهد لبنان في العام الماضي، 200 حالة انتحار، مقارنة بـ143 حالة خلال 2017، وهو عدد مرتفع نسبيا في مجتمع تحرّم كل طوائفه قتل الإنسان نفسه.
ووفق الإحصاءات ذاتها، فإنه بين 2009 و2018، وقعت في لبنان 1393 حالة انتحار.