قائمة الموقع

أحمد جرار.. "شبح جنين" أحيا سيرة والده بالبارود

2019-02-07T14:52:41+02:00
أكمل أحمد دراسته وتخرج قبل عامين من استشهاده

عام مرّ على اغتيال جيش الاحتلال الإسرائيلي المقاوم أحمد نصر جرار (23 عامًا) تشعر والدته خلاله كأن نجلها رحل مسافرًا وسيعود إليها قريبًا. ربما يساورها اعتقاد كذلك كونها لم تودعه لحظة مطاردته وإلى هذا اليوم من تاريخ استشهاده.

شيء مؤلم بالنسبة للوالدة ختام جرار أن يغادر أحمد دون وداع. ذهبت إلى البيت الذي تحصن فيه قبل استشهاده تلملم الذكريات وتدونها في قلبها، تشاهد كيف عاش في بيت مهجور، وماذا يأكل.

أحمد جرار من بلدة برقين قضاء جنين طارده جيش الاحتلال أسابيع عدة فشل خلالها في اعتقاله أو اغتياله، واتهمه بتنفيذ عملية إطلاق نار في يناير/ كانون الثاني 2018 قُتل خلالها حاخام إسرائيلي وجُرح آخر.

تحول هذا الشاب إلى بطل شعبي مقاوم في الضفة الغربية وعموم فلسطين في حياته ومماته، وقضى شهيدًا بعد محاصرة قوة إسرائيلية للبيت الذي تحصن فيه فجر الثلاثاء في السادس من فبراير/شباط 2018.

لا يزور الحزن قلب "أم أحمد"، لأنه استوطن فيه بعد استشهاد زوجها في سنوات انتفاضة الأقصى، لكن فراقها مع الزوج والابن جعل بيتها خاليًا من الفرحة كما تقول.

بنبرة صوت حزينة وهي تفتش بشريط الذكريات تقول خلال حديثها لصحيفة "فلسطين": "افتقدت الفرح الذي كان أحمد ينشره بالبيت، فقدنا جزءا كبيرا من البيت (..) سنصبر على فراقهم مع أبنائي محمد وصهيب وجينا".

طفولة وحرمان

انتظَر أحمد وشقيقه الأكبر صهيب حينما كانا طفلين والدهما القيادي في حماس نصر جرار، الذي سجنه الاحتلال 15 عامًا. تقول والدته: "طوال الوقت كانا يسألان كأي أطفال، عن والدهما وعن موعد الإفراج عنه"، لكن حينما خرج من السجن لم يمكث معهما سوى عامين، ومن ثم بدأت رحلة المطاردة، خلالها أُصيب عام 2001 في انهيار أحد المباني عليه، وبُترت يده وقدمه.

حُرم أحمد من والده، وظلّ طوال الوقت يحمل صوره، وكان متأثرا جدا باستشهاده. "ذهب بيتنا الأول الذي هُدم في عهد زوجي، وذهب بيتنا الثاني الذي دمره الاحتلال في عهد ابني، ومعه ذهبت كل الذكريات. حتى المصاحف التي أهدانا إياها زوجي اختفت بين ركام المنزل، وبقي ذلك المصحف الذي استشهد أحمد وهو يحمله، ليكون رابطًا يجمع أحمد بوالده".

وفي اشتباك آخر في أثناء اقتحام مخيم جنين أُصيب وبترت قدمه الأخرى، وبعدها أبعد عن البيت سبعة أشهر لم تره عائلته خلالها، فبقي أحمد وصهيب يتجرعان لوعة الشوق لوالدهما، إلى حين استشهاده عام 2002 في اشتباك مع جيش الاحتلال بعد رحلة مطاردة طويلة، كان أحمد حينها طالبًا في الصف الرابع الابتدائي.

"كان يأتيني سعيدا حينما يُذكر والده في المناسبات".. تحتسي الوالدة جرعة من الصمت ثم تكمل: "كانت حياة أحمد عادية لم أشعر أنه مقاوم. حتى المصحف الذي أهداه إياه والده لم أعلم أنه كان يأخذه معه خارج البيت إلا بعد استشهاده".

مطاردة واستشهاد

الساعة الحادية عشرة إلا ربعا 17 يناير/ كانون الثاني 2018م، ببلدة برقين مسقط رأس أحمد على موعد مع صاعقة جديدة. سمعت الوالدة صوت إطلاق النار فاعتقدت أن هناك أسيرًا خرج من سجون الاحتلال.

تستحضر ذلك المشهد: "خرجت لمشاهدة ما يحدث من شرفة المنزل، فلما سمعت أن هناك بيتا محاصرا بالمنطقة، اعتقدت أنه بيت أحد أسلافي، ولكن فجأة بدأ إطلاق النار يتجه نحو المنزل، فخرجت أنا وابنتي، واستشهد أحمد إسماعيل جرار أمام منزلنا".

سألها ضابط الاحتلال حينها: "وين ابنك؟" فأجابته بحرقة: "أنتم قتلتموه"، ليرد الضابط: "ابنك لم يستشهد.. اتصلي به"، لكن الهاتف لم يرد. أكثر ما يحزن قلب هذه الأم المكلومة أنها لم ترَ نجلها بعد خروجه من المنزل.

عمل أحمد وإعالة عائلته أخّرا حصول أحمد على شهادته الجامعية (بكالوريوس إدارة مستشفيات) من الجامعة الأمريكية في جنين، وتعرّض قبل ثلاثة أعوام للاعتقال من قوات الاحتلال واستمر 50 يوما في التحقيقات ذاق فيها صنوفًا من التعذيب، لكنه لم يعترف بشيء يتعلق بالتهم الموجهة إليه. قبل أن يغادر السجن انتظرته والدته وقتها طوال النهار. كانت تركض في مشهد فيديو نشر على مواقع التواصل الاجتماعي وهي تضمه بين ذراعيها. تقول الوالدة إن تلك الأيام مثلت لها سنوات طويلة.

أكمل أحمد دراسته وتخرج قبل عامين من استشهاده، واستدعته أجهزة أمن السلطة في مرتين للحديث معه. رحل أحمد وافتقدته عمته المسنة المريضة التي كان يهتم يوميًا بمساعدتها ونقلها للمشفى ورعايتها.

من جانبه، أكد عضو المكتب السياسي لحماس حسام بدران أن إحياء شعبنا الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد المقاوم "أحمد جرار" يعبر عن أصالة شعبنا الفلسطيني بالوفاء لفلسطين.

وشدد بدران في تصريح صحفي على أن درب المقاومة والتضحية من أجل تحرير فلسطين تتوارثه الأجيال الفلسطينية، حتى بات علامة فخر فارقة لعائلات فلسطينية مقاومة مثل عائلة "جرار، وعائلة البرغوثي، وعائلة نعالوة.

اخبار ذات صلة