فلسطين أون لاين

العافية قبل النصر

العافية عكس المرض. الإنسان يمرض، والشعوب تمرض. مرض الشعوب أعقد من مرض الأفراد. الشعوب هي من تعالج أمراض الأفراد، والأفراد يعجزون أحيانا عن معالجة أمراض شعوبهم لا سيَّما حين يكونون أنانيين، أو بخلاء، أو مستبدين، أو نرجسيين، أو مكتئبين.

الأفراد المحترمون، والقادة المحترمون، ممن يتمتعون بالعافية الذاتية، يحبون قيادة شعوب معافاة، وإذا ما هاجم الشعبَ مرضٌ ما سخَّروا كل قواهم وعافيتهم من أجل شفاء الشعب واسترجاع عافيته، ومثل هؤلاء في عصرنا الحديث على عوج قادة أوروبا ممن يحترمون الديمقراطية ويطبقونها في مجتمعاتهم، والمثل الذي يفضل ما سبق هو مثل التاريخ المستفاد من قيادة رسولنا الأعظم عليه الصلاة والسلام، وقيادة صحبه الكرام.

الأفراد المرضى، كالقيادات المريضة، تحب أن تقود شعبا بلا عافية، لأن عافية الشعب خطر على القيادة التي لا تتمتع بعافية ذاتية، والعافية الذاتية ليست كسبا يمكن استيراده من مظلة الدولة العظمى وإسرائيل، بل هي نتاج شعب مسكون بعافية حقيقية، لا بأشكال مبهرجة من العافية المدعاة، ومثل هؤلاء القادة في عالمنا الثالث كثيرون، وقيادتنا الفلسطينية واحدة من هؤلاء.

قيادتنا الفلسطينية للأسف تعيش أسوأ مراحل فقدان الصحة والعافية، ولأنها كذلك تحسب أن العافية في المال، وفي التنسيق الأمني، وفي فرض العقوبات على غزة، وفي تقليم أظفار الضفة، وفي إضعاف الشتات الفلسطيني، وترى أن الاستمرار في كرسي القيادة منوط بتحطيم عافية الفصائل، وإعادة تشكيل أمراض الشعب بحسب رغبات فردية، فمرة حكومة توافق شكلية، ومرة حكومة فصائل رمزية، ومرة حكومة مستقلين اسمية، ومرة حكومة وحدة وطنية مؤجلة، ومرة معالجة بالفصل من الوظيفة، ومرة بالإحالة إلى التقاعد، ومرة بصرف خمسين في المائة من الراتب، وهكذا من الجراثيم التي تدمر عافية الشعب، لصالح عافية سلطة فاقدة للعافية وللمناعة الذاتية ضد الأمراض الوطنية؟!

إنَّ في العالم القديم عجائب سبعًا موروثة، ويمكننا حديثًا أن نضيف لها ثامنة وعاشرة، وفي مقدمة هذا المضاف العجب العجاب من قيادة تنشر المرض في شعبها، وتريد أن تحكمه مريضا وبلا عافية، ظنا منها أنها بذلك تملك كرسي القيادة بشكل مؤبد، في حين هي تجلس على قمة مرض الشعب الذي تعاقبه بنشر فيروس الفقر والبطالة تحت مسميات مختلفة كاذبة، في حين تعيش قيادة دولة العدو في عافية، ويعيش شعب العدو في أجود مراحل العافية، فلا فقر ولا بطالة ولا عقوبات، ولا فشل سياسي، ولا فساد مالي، ولا ضعف عسكري أو اقتصادي، وتجري الديمقراطية عنده في عروق أحزابه والشعب والقيادة بعافية نفتقر نحن الشعب الفلسطيني لها، وندعو الله أن ينصرنا، والله سبحانه لا ينصر مريضا مجرما، أو مريضا منافقا، أو مريضا عميلا، أو مريضا يعاقب شعبه، وقديما قالوا أول النصر أن تكون بعافية وإن على قلة عدد ومال، وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله. شعبي العزيز ابحث عن العافية قبل أن تبحث عن النصر، ثم توجه إلى الله بالدعاء.