لم يكن قرار نتنياهو وقف عمل البعثة الدولية المؤقت (TIPH)، سوى إمعان في نية الاحتلال الاستمرار في الانتهاكات التي تمارس بحق الفلسطينيين في مدينة الخليل، وهو ما ينذر بخطورة الأوضاع في الأيام المقبلة، بإعطاء الضوء الأخضر للمستوطنين لزيادة الاعتداءات والهجمات ضد أهل المدينة والسيطرة الكلية على الحرم الإبراهيمي الواقع وسط المدينة والالتفاف على أطرافها بالمستوطنات لخنق السكان وإجبارهم على الهجرة من مدينة الخليل.
تأسست هذه البعثة الدولية بشأن الخليل عقب مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل عام1994، حينما قتل المجرم باروخ غولدشتاين تسعة وعشرين مصلياً فلسطينياً داخل الحرم، بمشاركة تركيا، والنرويج، والسويد، والدنمارك، وسويسرا، وإيطاليا. وتم إيفاد قوة الوجود الدولي في الخليل، أكبر مدن الضفة الغربية، لمراقبة الأوضاع في المدينة المنقسمة لجزأين، يشمل الأول مساحة 80 % منها وتسيطر عليه السلطة، في حين يقع الآخر تحت سيطرة الاحتلال.
فالبعثة تعمل بموافقة الفلسطينيين، وسلطات الاحتلال، وتُجدد مهماتُها كل ستة أشهر، بموافقة الطرفين، حيث إن مهمتها الرئيسة تحقيق الأمن والهدوء للفلسطينيين في الخليل، ومن مهام البعثة كتابة ورصد الخروقات والأحداث في تقارير وإرسالها للفلسطينيين، والإسرائيليين، والدول المشتركة في القوة.
بالنسبة للتهمة الموجهة لها، وكان ما يسمى وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي جلعاد أردان، لم يهدأ له بال حتى ينهي عملها، فوجه رسالة إلى نتنياهو حول المراقبين الدوليين في الخليل، يطالبه بإنهاء عملهم. وزعم أردان أن هؤلاء المراقبين يشكلون عائقاً أمام عمل قوات جيش الاحتلال في الخليل والمستوطنين داخل المدينة، وعدّ أنها تُناصر الفلسطينيين، وتُناصر حركة المقاطعة، وأنها تعمل ضد الإسرائيليين، وترصد جميع انتهاكات وخروقات الاحتلال والمستوطنين بحق الفلسطينيين.
إن عدم موافقة نتنياهو على تجديد مهماتها، لا يخضع فقط لبرنامجه الانتخابي، ورغبته في الهروب من ملفات الفساد، بل إن غايته الرئيسة هي احتلال مدينة الخليل، بتهجير سكانها، وإغلاق مصانعها التي تنافس مصانع (إسرائيل)، وإجبار أصحاب رؤوس الأموال على الهجرة إلى البلاد العربية، خاصة بعد أن نظَّم المتطرفون أكبر تجمع للحارديم يُقدر بعشرات الآلاف وسط الخليل، في شهر نوفمبر 2018 وسمّوه (سبت الخليل)!!.
إن الجرائم التي يقوم بها الجيش والمستوطنين في الخليل وفي كل أراضينا الفلسطينية المحتلة، ما هي إلا حرب حقيقية يصعّد نتنياهو وتائرها يوما بعد يوم ليحقق من ورائها أهدافا سياسية لطالما تحدث عنها، وفي مقدمتها إجبارنا على القبول بالأمر الواقع.
احتجاجا على استمرار هذه الجرائم وعدم وفاء سلطات الاحتلال بالتزاماتها الأمنية، من رفع لحواجز الإذلال والمهانة، ووقف للمداهمات والاعتقالات ولجم لقطعان المستوطنين.. سؤالي هنا: إلى جانب توفير الأمن الداخلي لشعبنا، أليس من واجب السلطة الفلسطينية أن توفر الأمن لشعبها من جرائم جيش الاحتلال وقطعان المستوطنين..؟؟ وإذا ما كانت السلطة غير قادرة على منع هذه الاعتداءات.. وإن لم تستطع وضع حد لهذه الجرائم من خلال التنسيق.. لماذا لا تعيد النظر بموضوع التنسيق الأمني وتتخذ قرارا جريئا بوقفه..؟؟
إن قرار الاحتلال إنهاء عمل المراقبين الدوليين في الخليل المقصود منه تحقيق مكاسب سياسية، كما وصف منتقدو نتنياهو في (إسرائيل) بأنه قرر التخلص من المراقبين لتعزيز حظوظه في الانتخابات البرلمانية المقبلة. بدليل الزيارة التي بدأها نتنياهو للتجمع الاستيطاني "غوش عتصيون" جنوب بيت لحم، ووعد بألا تُهدم المستوطنات، بل على العكس سيعمل على تعزيزها في حال أُعيد انتخابه مرة أخرى في نيسان. وتجول نتنياهو ورئيس مجلس التجمع الاستيطاني في المستوطنة، حيث سيجري بناء استيطاني جديد هناك للمستوطنين الذين أُخلوا من عدد من البؤر الاستيطانية، ولا يستبعد بعد مغادرة الدوليين أن يزور نتنياهو مستوطنة كريات أربع المقامة وسط مدينة الخليل منذ عام 1968، التي تعد من أكبر التجمعات الاستيطانية إرضاء للمستوطنين، لكسب أصواتهم في الانتخابات المقبلة.