أكد محلان سياسيان أن إقدام أجهزة أمن السلطة على اعتقال النائب المقدسي في المجلس التشريعي عن حركة "حماس" إبراهيم أبو سالم، يعني إطلاق رصاصة الرحمة على مبدأ أساسي من مبادي الدستور الفلسطيني وهو حماية السلطة التشريعية من تغول السلطة التنفيذية عليها.
وحذر المحللان من أن هذه الخطوة ستنعكس سلبًا على الأوضاع السياسية بحيث تتوسع هوة الخلاف بين حركتي حماس وفتح، مشيرين إلى أن السلطة بذلك تحرق سفن العودة لخيار المصالحة باعتبار النواب يمثلون رموزًا سياسية من المفترض أن تكون بعيدة عن الخطوات الاستفزازية بين الجانبين.
وكانت أجهزة أمن السلطة اعتقلت، الليلة قبل الماضية، النائب في المجلس التشريعي عن محافظة القدس إبراهيم أبو سالم، من بيته ببلدة "بير نبالا" في ضواحي القدس المحتلة، علمًا بأنه خطيب المسجد الأقصى وعضو هيئة علماء فلسطين وهو أحد المبعدين لمرج الزهور.
من جهته، أكد المحلل السياسي د. عبد الستار قاسم، أن اعتقال أبو سالم هو تكريس لـ"الفتنة السياسية" على الساحة الفلسطينية، معتبرًا أن هذا السلوك المشين للسلطة سيعمق الانقسام ويجعل من المصالحة بعيد المنال.
ورأى في حديثه لصحيفة "فلسطين"، أن ممارسات السلطة وعلى رأس هرمها محمود عباس خلال السنوات الماضية، تشير بوضوح إلى نية مُبَيتة لإضعاف القضية الفلسطينية، معتبرًا أن عباس يتصرف وكأن القضية الفلسطينية ملك يمينه يفعل بها ما يشاء دون رقيب أو حسيب.
وأوضح أن النظام السياسي الفلسطيني الذي يرتكز على مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث قد أصابته هزة عنيفة بحل المجلس التشريعي قبل أسابيع، منبهًا إلى أن اعتقال النائب أبو سالم جاء استكمالًا لحلقة وأد الديمقراطية الفلسطينية ومنع المجلس التشريعي من القيام بدوره المنوط به.
وذكر قاسم أن اعتقال أبو سالم لا يمكن أن يكون منفصلًا عن سلسلة الإجراءات التي اتخذتها السلطة ضد الشعب الفلسطيني عبر استمرار مطاردة المقاومين واختطافهم في الضفة، وممارسة العقاب الجماعي وقطع رواتب الموظفين في قطاع غزة، والنسيان التام للمقدسيين وإهمال دعمهم ومساندتهم.
وأشار إلى أن السلطة الفلسطينية تمارس فقط دورًا وظيفيًّا يخدم الاحتلال عبر إضعاف صمود أهل القدس من خلال اعتقال النواب الذين يمثلون الشعب الفلسطيني، وخاصة في المدينة المقدسة، موضحًا أن نواب القدس في الأساس يواجهون صنوف العدوان من الاحتلال عبر اختطافهم وإبعادهم من جهة، والاعتقال السياسي والتضييق عليهم وقطع رواتبهم من جهة السلطة الأخرى.
ووصف قاسم رئيس السلطة محمود عباس بأنه وكيل عن الاحتلال، معتبراً أن هذه الوكالة تدفع عباس لممارسة الضغط بشكل عنيف على الشعب الفلسطيني سعياً لإرضاء الاحتلال، لافتا إلى أن هذا الحديث ليس تجنيا على رئيس السلطة بقدر ما هو توصيف حقيقي أفصح عنه عباس بذاته في أكثر من مناسبة وآخرها قبل أيام خلال لقاءاته مع رجال أعمال إسرائيليين.
وشدد على أن الاحتلال لن يجد أفضل من السلطة لكي تحقق له أهدافه الاستعمارية في الاراضي الفلسطينية، منبها إلى أن وصول السلوك السياسي للسلطة إلى هذا المستوى المتدني من التعامل مع مكونات الشعب الفلسطيني سيجعلها في مرمى العداوة الوطنية مع الكل الفلسطيني.
من ناحية أخرى، عبر المحلل السياسي د. رائد نعيرات، عن استغرابه إزاء إقدام أجهزة أمن السلطة على اعتقال النائب أبو سالم، معتبرًا أن هذا الاعتقال يعبر عن عقلية أمنية ما تزال تتحكم بالسلوك السياسي للسلطة الفلسطينية.
وشدد في حديثه لصحيفة "فلسطين"، على أن الدستور الفلسطيني يمنح المجلس التشريعي صفة السيادة على نفسه، وعليه فإن النواب لهم حصانة دستورية وقانونية تحميهم من تغول السلطة التنفيذية عليهم، مشيرًا إلى أن التضييق على نواب التشريعي يظهر بوضوح سعي السلطة التنفيذية للسيطرة على المجلس التشريعي.
وتوقع نعيرات أن يكون تجاوز حصانة نواب التشريعي قد ينبئ عن ملامح المرحلة القادمة التي تحمل نُذُر سلوكٍ خشنٍ تجاه نواب المجلس التشريعي ممن يحملون رأيًا مغايرًا لرأي السلطة الفلسطينية، محذرًا من تبعات هذا الأمر على الوضع السياسي الفلسطيني المحتقن وغير المستقر أصلًا بسبب استمرار الانقسام وغياب أفق تحقيق المصالحة في الوقت الحالي على الأقل.