ليس صدفة أو عشوائية، التنوع الجغرافي للدول الإفريقية التي تحاول (إسرائيل) مد جسور التطبيع والعلاقات الاقتصادية والعسكرية معها، فالناظر لأهم الدول التي أقام الاحتلال علاقات معها كإثيوبيا وإريتريا وجنوب السودان وتشاد، يدرك أن هناك خطة "خطيرة" تمضي في المنطقة.
وبذلت (إسرائيل)جهودا سياسية ودبلوماسية محمومة لعقد مؤتمر "إفريقيا و(إسرائيل)" الذي كان مقررا عقده في لومي عاصمة توغو نهاية أكتوبر/ تشرين الأول عام 2017، تحت عنوان "التنمية والأمن التكنولوجي"، إذ لم تنجح في الحصول على إجماع إفريقي وحالت عدة دول إفريقية وعلى رأسها جنوب إفريقيا من عقد هذا المؤتمر.
وفشلت (إسرائيل) في مساعيها للحصول على مقعد مراقب في الاتحاد الإفريقي رغم تأييد عدة دول وعلى رأسها إثيوبيا التي تحتضن عاصمتها مقر الاتحاد.
ملء فراغ
وقال وكيل جهاز المخابرات المصرية الأسبق اللواء محمد رشاد: إن التواجد الإسرائيلي في القارة السمراء يعود منذ سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي لملء الفراغ المصري الذي بدأ يتلاشى تدريجيا في إفريقيا، واستغلت (إسرائيل) ذلك بمد جسور التطبيع معالدول الإفريقية.
وأضاف رشاد لصحيفة "فلسطين": "مصر كانت لديها علاقات متشعبة مع معظم الدول الإفريقية تجاريا واقتصاديا ودبلوماسيا، كما كان لديها واجهة كبيرة في إفريقيا مع معظم الدول من خلال شركة النصر للاستيراد والتصدير، فضلا عن البعثات العلمية والدراسات والأبحاث".
لكن وبعد تراجع دور الشركة، بدأت (إسرائيل) تملأ الفراغ الذي تركته مصر، من خلال الدعم العسكري والعلاقات الاقتصادية ومن ثم المردود السياسي الذي حصل الآونة الأخيرة، بعودة العلاقات بين (إسرائيل) وتشاد، وفق رشاد.
وعزا المسؤول السابق تراجع الدور المصري في إفريقيا، لأسباب سياسية متعددة.
واستدرك: مشكلة العالم العربي تتمثل بأن "الأمن القومي العربي حبر على ورق"، وهناك أماكن وفراغات كثيرة بدأت تستغلها (إسرائيل) مع دول أخرى مثل الصين وأمريكا.
وأكد رشاد أن هذه المحاولات الإسرائيلية هدفها جميعا كسب الصراع العربي -الإسرائيلي وتحويله إلى صراع حضاري، والابتعاد عن حل القضية الفلسطينية، فضلا عن التوسع والتمدد خارج حدود فلسطين المحتلة.
ونبه إلى أن (إسرائيل) لديها خطة اقتصادية لتصبح مرتكزا إقليميا يتبعه الدول العربية، ويبدأ بالدول القريبة ويتوسع تدريجيا.
مسارات الدخول
ومن وجهة نظر المختص في الشأن الإسرائيلي عبد اللطيف الحصري، أن المتتبع لأزمة نهر النيل، يدرك أن "يد الاحتلال" كانت موجودة في المشهد العام، وقتما بدأ الحديث عن سد النهضة، في محاولة لخنق مصر "حتى في شربة الماء".
ونبه الحصري لصحيفة "فلسطين" إلى موقع تشاد الاستراتيجي وجيرانها ليبيا والسودان، وبالتالي "قد يشكل الاختراق الإسرائيلي قاعدة معلومات إضافة للفائدة السياسية".
وقال: "لم تكن تشاد آخر الدول التي تحاول (إسرائيل) مد جسور التطبيع إليها، فالآن تحاول الوصول لنيجيريا وهي دولة مركزية ومهمة لتحييدها وإبعادها عن المشهد السياسي".
ودلل على ذلك، بطلب السلطة الاعتراف بفلسطين عضوا كاملا في الأمم المتحدة، فامتنعت نيجيريا عن التصويت رغم أنها كانت تصوت دائما لصالح القضية الفلسطينية.
وأكد أن تمركز (إسرائيل) في تشاد يعطيها مركز قوة ومراقبة للحدود العربية.
وأشار الحصري إلى أن وجود (إسرائيل) في إريتريا يمنحها إطلالة على البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وهي بذلك تحقق نوعا من الكشف العسكري لمنطقة البحر.
وفي الشق الاقتصادي، وفق الحصري، كانت هناك مساعٍ لتطبيع العلاقة بين (إسرائيل) والسودان، بهدف تحقيق اختراق للمجال الجوي كي تمر من خلال السودان وتشاد إلى أمريكا اللاتينية، لتوفير ثماني ساعات طيران، وهذا توفير اقتصادي، وسيما أنها بدأت تشعب علاقاتها مع دول أمريكا اللاتينية.
ولفت الحصري إلى أن "الحسرة الكبرى" تكمن في غياب الدور العربي عن المشهد الإفريقي، وتحقيق (إسرائيل) تحييد وتهميش دور بعض الدول الإفريقية في الأمم المتحدة، خاصة المناصرة للحق الفلسطيني.