قائمة الموقع

​عابد.. شهيد استفزته مشاهد الإجرام

2019-01-29T09:29:57+02:00

ما أصعب لحظات الوداع، وخاصة الوداع الأخير الذي ينم عنه فراق للأبد، صرخة وجع وألم تخرج من أعماق قلب أمه المكلومة التي صعقت بخبر استشهاد ابنها، لتحتضنه بكل قوة، وتضمه إلى صدرها وكأنها تريد أن تمنحه الحياة، رغم أنها تعلم أنه ممددٌ على سرير الموتى،وترجو من حولها أن يتركوها معه، وتصرخ ودموع قلبها تسقط قبل عيونها "أمانة خلوني معاه.. قلبي يما.. شو عملت فيا يما.. يا عمري يا إيهاب.. شو الي عملته فيا".

بهذه الكلمات ودعت الأم ابنها الشهيد إيهاب عابد الذي ارتقى شهيدًا برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي شرقي محافظة رفح جنوب قطاع غزة، خلال مشاركته أول أمس في الجمعة الرابعة والأربعين لمسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار والتي كانت بعنوان "جريمة الحصار مؤامرة لن تمر".

رصاصة غادرة غرست في أعماق صدره، من يراه من المشاركين حوله لحظة إصابته لم يتوقعوا أن يدخل في عداد الشهداء، أصيب واستمر يكبر ويضحك، وعندما أنقذته الطواقم الطبية ونقلته إلى نقطة الإسعاف الميداني، تبين أن الرصاصة سببت نزيفًا داخليًا وما هي إلا دقائق قليلة حتى فارق الحياة، ويعلن استشهاده وينقل إلى مستشفى أبو يوسف النجار.

نهار الشهادة

على غير عادته استيقظ إيهاب نشيطًا مستبشرًا بنهار جديد، وأمل يبزغ مع شروق للشمس لعلها تزيل عنه ملامح الحياة البائسة، فقالت شقيقته: "في صبيحة يوم الجمعة بعدما استيقظ إيهاب، لأول مرة أرى وجهه متفتحًا نضرًا منيرًا، قلت ما شاء الله عنك وجهك مفتح ومنور اليوم".

إيهاب الذي يبلغ من العمر (25 عامًا)، متزوج وأب لطفل لم يتجاوز عمره العامين، والثاني سيأتي بعد عدة أشهر، كابد في الحياة من أجل الحصول على لقمة العيش في ظل صعوبة الحصول على فرصة عمل.

فتح ذراعيه لابنه ليحتضنه ويضمه لصدره، وقام يغني ويرقص معه، وكأن عرسًا في البيت، وقطع حفلته ليقول لأمه وهو يضحك: "يما لو استشهدت اليوم لفوا فيا بغرفتي وحطوني على السرير، وخلوني شوية مع ابني في الغرفة، وزفوني يما ولفوا فيا في الدار، وخلوا جنازتي حلوة وما يكون فيها مشاكل".

وقال ابن عمه رامي (30 عامًا): "معروف إيهاب بقلة أكله، ولكنه على غير العادة قبل ذهابه للمشاركة في مسيرات العودة السلمية تناول طعام غدائه، فأكل أكثر من كل مرة، وكأنه يعرف أنها لقمته الأخيرة في هذه الدنيا، أو أنه شبع منها ومودع لها".

وأوضح أنه كان دائم المشاركة في المسيرات، لم يترك جمعة واحدة دون المطالبة بحقوقه المشروعة في رفع الحصار عن شعبه الذي يعاني من ويلاته منذ سنين، والعودة إلى أرض أجداده.

وأشار رامي إلى أن إيهاب كان من المشاركين المواظبين على المشاركة دفاعًا عن الوطن وحقوق الشعب المسلوبة، وكانت تستفزه مشاهد قتل الأطفال، وإصاباتهم، فكان لا يتحمل تلك المناظر، ويرى أنه أولى في المشاركة من الأطفال الذين من المفترض ألا يعرفون إلا الفرح واللعب، بدلًا من القتل والدماء.

عُرف بقلبه الطفولي، فلديه حنان فائض على الأطفال، فيحب مجالستهم، والضحك واللعب معهم، وعرف بهدوئه وأدبه في التعامل مع غيره، وابتسامته التي لا تفارق محياه، رحل إيهاب وترك حياة بائسة لا يعرف كيف ستكون ملامحها، خاصة أنه ذاق منها الوجع لأنه لم يكن قادرًا على الحصول على عمل.

اخبار ذات صلة