عدّ محللون سياسيون نية السلطة في رام الله استبدال حكومة أخرى بحكومة رامي الحمد الله، ترأسها شخصية فتحاوية، خطوة نحو ترسيخ انفصال الضفة الغربية المحتلة عن قطاع غزة.
وأجمع المحللون في أحاديث منفصلة مع "فلسطين"، على أن المرحلة الحساسة التي تمر بها القضية الفلسطينية حالياً تتطلب حكومة وحدة وطنية، وليس مزيداً من الإجراءات الأحادية من قبل رئيس السلطة محمود عباس لتكريس هيمنته على مفاصل القرار الفلسطيني كافة.
وكان مصدر مطلع في حركة "فتح"، قال لوكالة "الأناضول" أول من أمس: إن الحركة تتجه نحو تشكيل حكومة جديدة، خلفًا لحكومة الحمد الله، مشيرًا إلى أنه جرى ترشيح أسماء قيادية في الحركة لتولي رئاسة الحكومة الجديدة، دون ذكرهم.
الاستئثار بالقرار
المحلل والكاتب السياسي مصطفى الصواف رأى أن توجه رئيس السلطة محمود عباس نحو تشكيل حكومة جديدة بشخصيات فتحاوية ترجمة لمسعاه لعزل الضفة الغربية عن قطاع غزة والاستئثار بكل مفاصل المؤسسات الفلسطينية الرسمية التي لم يتبقَ منها سوى الحكومة بعد حل المجلس التشريعي.
وعبر عن اعتقاده بأن الحكومة القادمة ستكون فاشلة ولن تختلف عن حكومة رامي الحمد الله، قائلاً: "تشكيل حكومة أكثر فتحاوية من سابقتها تأكيد لمسعى فتح للاستئثار بالقرار الفلسطيني وهو ما لا يمكن قبوله ولن يُكتب لتلك الحكومة النجاح فلن يتعدى دورها كونها بلدية فتحاوية".
وتابع: "صحيح أن حكومة الحمد الله شُكلت في إطار المصالحة الوطنية لكن قد أُدخل عليها فيما بعد تعديلات فتحاوية دون توافق وطني، وذلك ارتباطاً بنهج عباس الانفصالي، فلو أراد عباس مصالحة وطنية قائمة على شراكة حقيقية فإنّ أحداً من الفصائل لن يرفض ذلك".
وأردف بالقول: "لكن إجراءات عباس المتتالية تؤكد رغبته في التفرد بالقرار الفلسطيني وبمؤسسات السلطة وجعل الفصائل الأخرى تابعة له وليست شريكاً له في القرارات الوطنية".
حكم أحادي
بدوره، عدَّ المحلل السياسي وسام أبو شمالة أن توجه عباس لتشكيل حكومة جديدة استمرار لتصرفات متفردة اتخذها منذ تشكيل تلك الحكومة في عام 2014 حيث قام برفدها بأربعة وزراء جدد بعيدًا عن التوافق الوطني.
وقال أبو شمالة: "استمر عباس في اتخاذ إجراءات أحادية تعزز عملياً فصل الضفة عن غزة وفرض الحكم الأحادي لـ"أبو مازن" على كل مقتضيات السلطة، فتشكيل حكومة جديدة سيعدُّ الشعرة التي قصمت ظهر البعير وإنهاء لاسم التوافق الذي تحمله تلك الحكومة والذي هو موجود اسماً لا مضموناً وشكلاً لا جوهراً".
وأعرب عن اعتقاده بأن الخطوات العملية لعباس "المنتهية ولايته" تتجه بشكل مباشر لإنهاء أي احتمالات أو آمال بقيامه بخطوات تصحيحية تجاه الوضع الفلسطيني، مضيفاً: "خطوات أبو مازن منذ البداية تدل على أنه يريد حكومة وفق نهجه ورؤيته تتويجاً لخطواته الأحادية ونهجه الإقصائي من فرض العقوبات على غزة وتشكيل المحكمة الدستورية وحل المجلس التشريعي وعقد مجلس وطني بعيداً عن التوافق".
وعن احتمالات إتمام الوحدة الوطنية في حال تشكيل تلك الحكومة، قال أبو شمالة: "لكي لا نكذب على شعبنا فإن هذه الوحدة لا يمكن أنْ تتم، فأبو مازن مشكلته ليست مع حماس والجهاد الإسلامي فقط بل مع كل فئات شعبنا، كاليسار الفلسطيني والمجتمع المدني، فقد خلقت إجراءاته فجوة بينه وبين الشعب وفصائله ومؤسساته".
وأضاف: "كما أنه خلق فجوة بينه وبين المؤسسات المدنية من خلال سن قانون "الضمان الاجتماعي" الذي جعل الموظفين والعمال يخرجون في احتجاجات ومسيرات، كما همش مؤسسات منظمة التحرير عندما ألغى وجود الجبهتين الشعبية والديمقراطية في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير".
ومضى بالقول: "حتى في "فتح" نفسها هناك فرق بين "فتح" كتنظيم وأبو مازن وفريقه الشخصي "حسين الشيخ وماجد فرج ومحمود الهباش" الذين يدفعون الوضع الفلسطيني للمجهول في ظل حساسية ما تمر به القضية الفلسطينية والوضع المأزوم الذي تعيشه، ما يتطلب لإتمام الوحدة الوطنية تغييرًا في القيادة السياسية للسلطة".
هجمة شرسة
من جانبه رأى المحلل السياسي محسن أبو رمضان أن الوضع الحساس الذي تمر به الحالة الوطنية الفلسطينية بحاجة لحكومة وحدة وطنية تضم كل مكونات الشعب الفلسطيني سواء داخل المنظمة وخارجها في ظل التحديات التي تشهدها قضيتنا الفلسطينية.
وقال أبو رمضان: "هذه اللحظات الحساسة والمفصلية في حياة شعبنا تتطلب وحدة الموقف الفلسطيني، فتغيير حكومة الحمد الله خطوة مهمة شريطة أن تضم الكل الوطني الفلسطيني وتُحضر لانتخابات عامة تشريعية ورئاسية".
وأضاف: "تشكيل حكومة لمنظمة التحرير وأعضائها ممكن في حالة التفاهم مع حماس والجهاد الإسلامي على أنْ تكون مرحلة انتقالية ويُوكل لها مهمة واحدة وهي التحضير للانتخابات في ظل أجواء من الثقة المتبادلة ووقف الملاحقات والاعتقالات السياسية وخلق مناخات من الحرية، على أن تكون تلك الانتخابات ديمقراطية ونزيهة وشفافة تستند إلى رقابة من المجتمع المدني والجانب الدولي والاعتراف بنتائجها مهما كانت".
واستدرك بالقول: "لكن الخيار المفضل في هذه المرحلة تشكيل حكومة وحدة وطنية يمكن التوافق عليها بعقد جلسة حوار فصائلية لنزع الاحتقان في أي عاصمة عربية أو دولية لتشرف على الانتخابات العامة، لأن التفرد بتشكيل حكومة قد تلقى ردود فعل غير مريحة من الفصائل التي هي خارج منظمة التحرير ولن تتفاعل تلك الفصائل مع مخرجات تلك الحكومة".
وتابع: "في تلك الحالة فإن تلك الحكومة لن تتمكن من إجراء الانتخابات سوى في الضفة الغربية، وأن تتم الانتخابات في الضفة دون غزة أمر خطير جداً لأن الأصل في الانتخابات هو وحدة المؤسسة التنفيذية وأن تشمل الضفة وغزة والقدس".
ورأى أبو رمضان أن إجراء الانتخابات في الضفة دون غزة يعني تحويل الانقسام السياسي إلى انفصال وهو الأمر الذي لا يخدم وحدة الحالة الوطنية وضرورة تصليبها في مواجهة محاولة شرذمتها من قِبل الاحتلال.