فلسطين أون لاين

العادات ضد الدين

العادات والتقاليد تتابع وراثي بين أكثر من جيل، فتصبح جزءًا من طبيعة المجتمع وسماته، ولها مصدران أساسيان: الموروث الثقافي، والمعتقد الديني.

لن نعالج في هذه المقالة ما توافق من عادات بين الدين الإسلامي والموروث الثقافي، فهذا شيء أتى الإسلام ليعززه، لا يلغيه؛ قال (عليه الصلاة والسلام): "إنما بعثتُ لأتممَّ مكارم الأخلاق"، بل حديثنا سيكون عمّا اختلفت في حكمه التقاليد مع الدين.

قد يكون مفاجئًا لكثيرٍ منا أن المنتصر عند هذا الخلاف هي العاداتُ لا الدين، وهنا أذكر بعضًا من نماذج حياتنا: فعلى المرأة الموظفة أن تمنح راتبها زوجها بحكم العادات، وعلى المرأة ألا تطلب الطلاق؛ فهذا عيب، و"وظل راجل ولا ظل حيطة"، لكن مهلًا؛ لماذا أغلب ما انتصرت فيه العادات يهضم حق المرأة لحساب الرجل؟!

هذا السؤال يعطينا جوابًا لا مواربة فيه، وهو أننا مجتمع ذكوري، وأرفض هنا وصمه بـ"الشرقي"، ولهذا الوصف مقالة أخرى، والمجتمع الذكوري هو لفظ عام يطلق على مجموع السلوكيات والأفكار والقوانين التي من شأنها سيطرة الذكور في مجتمع ما على الإناث.

لا يخفى على أحدٍ أن الإسلام منذ بدايته أشهر سيفه تجاه كل ما يقمع المرأة بحجة العادات والتقاليد، وليس غريبًا أن تقوم الدولة الإسلامية أول ما تقوم في مجتمع المدينة الحضاري، حيث للمرأة مكانة، ولم تقم في بيئة قريش القبلية، التي تعدُّ المرأة جزءًا من المتاع، وهنا حديث عمر بن الخطاب للنبي (صلى الله عليه وسلم): "كنا معشر قريش نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة إذا قوم تغلبهم نساؤهم"، وفي القصة ذاتها قال: "فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار".

وفي عصرنا الحالي أعاد بعض إنتاج هذه العادات التي حاربها الإسلام، مرةً باسم الموروث الثقافي المرتبط بالعيب والشرف وأن للرجل الكلمة العليا، ومرةً باسم الدين من باب سد الذرائع وفتنة المرأة وأن المرأة عورة؛ فنراه ينكر عليها أن تدافع عن حقوقها، ويحارب ما أحله الله لها في مشاركتها المجتمعية، ويعزلها إن طُلقت وكأنها وباءٌ، حتى إن العقاب الذي سيلحقها -إن أخطأت- سيكون أكثر شِدةً عن ذلك الذي قد يلحق بالرجل.

ما نود تأكيده نقطتان مهمتان، الأولى: أنه ليس من الصواب عدّ كل ما ورثناه من عادات وتقاليد نصًّا مقدسًا لا يجوز الحياد عنه، بخاصةٍ إذا خالفت هذه الموروثاتُ الدينَ الإسلامي، والثانية: أن على المجتمع أن يتحرر من "وصمة التقاليد" التي تكبل المرأة وتسلبها حقوقها رغمًا عنها؛ فالمرأة كائن موازٍ للرجل، لا تنقص عنه ولا تزيد.