فلسطين أون لاين

​التطوع بين العطاء والاستنزاف

...
بقلم- أمل يونس

العمل التطوعي قيمة اجتماعية نبيلة، ونشاطمشترك (فردي اجتماعي) يكسب الفرد الخبرة والمعرفة، ويزيد من تحفيزه على العطاء، ويفعّل حركة المجتمع في مجالات شتى.

في الوضع الاقتصادي المتدهور في قطاع غزة باتت المؤسسات تعتمد على المتطوعين في كثير من أنشطتها وأعمالها، والشباب بدورهم يتجهون نحو التطوع لاكتساب الخبرات اللازمة، ومنهم من ينتهز فرصة تفرغه بسبب البطالة المتفشية؛ ليعمل تطوعًا على أمل أن يثبّت في وظيفة ما.

يداوم الشاب أو الفتاة دوامًا شبه رسمي، وغالبهم لا يتقاضون بدل مواصلات، يبذلون أقصى ما في وسعهم لاكتساب خبرة، وإثبات الذات، ويتحملون عبئًا إضافيًّا من المصروفات في سبيل هذا، فبعض المتطوعين يستخدم أدواته وأجهزته الخاصة، ونحن نعلم أنها أجهزة قابلة للاستهلاك، وتحتاج إلى صيانة من وقت إلى آخر، كـ(أجهزة اللاب توب، والكاميرات بمختلف أنواعها...)، إضافة إلى اقتنائه بعض الأشياء التي تلزمه في العمل على حسابه الشخصي؛ أملًا في وظيفة بعد ذلك.

الغريب أن المؤسسات تتجه نحو استنزاف طاقة المتطوعين استنزافًا مخيفًا؛ فتحملهم أعباء العمل، ويصبح الموظف الرسمي الذي يتقاضى راتبًا من المؤسسة مديرًا على المتطوع، وهو كذلك يستنزف طاقاته، الشاب يبذل ويعطي ويتفانى، وفي النهاية لا يجد من المؤسسة ما كان ينتظره، أو ما وعدت به، فقد صار النظام (تطوع ستة أشهر، ثم ننظر في أمرك، فربما نثبتك)، ويجدد التطوع في أحيان كثيرة، أو تستغني المؤسسة عن المتطوعين القدامى؛ لجلب متطوعين جدد، وهكذا.

إن هذا الأسلوب هو قتل لهمة الشباب المتطوعين، وقتل لروح العطاء والبذل في دواخلهم؛ ليفقد الشاب ثقته بالمؤسسات وجدوى العمل التطوعي، ونطالب المؤسسات -على الأقل- باحترام جهود الشباب، وصرف بدل مواصلات، ومكافأة بسيطة للشاب في نهاية مدة التطوع، ليظل متحفزًا، أما أن نستنزف طاقاته كلها فهذا يشعره بالاستغلال، وحقيقة الأمر أنه استغلال بالفعل، نعم، يأتي الشباب لاكتساب خبرات وللاستفادة، لكن من غير المعقول أن يقضي الشاب سني عمره تطوعًا؛ فهو إنسان لديه احتياجات مادية ومسؤوليات، وما تفعله المؤسسات الآن –يا للأسف الشديد!- استغلال بشع وغير مقبول.

وعلى المعنيين بالأمر أن يحفظوا للشباب المتطوعين حدًّا أدنى من الحقوق على الأقل،فمن وعدته بوظيفة المؤسسة التي يعمل بها، والتزم بكل واجباته؛ فعلى المؤسسة أن تفي بوعدها. وعلى المؤسسات أن توفر بدل مواصلات للمتطوعين، وتوفر لهم الأجهزة والأدوات التي يعملون عليها، وإلا فعليها أن تتكفل بمصاريف ذلك.

إن ما نزرعه اليوم في شبابنا سنجنيه غدًا، فلا تقتلوا الشباب بالإحباط، وفقدان الثقة، لا تستغلوا حاجتهم؛ فتذبحوا فيهم الحماسة، وتخفتوا جذوة نشاطهم.

إن التطوع يخدم فئة كبيرة من المؤسسات، وتستفيد منه، فلا أقل من أن تحافظ المؤسسة على هذه الطاقات واستمرارها، فلا تستنزفها، فشبابنا عماد المجتمع وأمله، هم أبناؤنا؛ فكونوا أكثر رحمة بهم؛ فالظروف أوسعتهم ضيقًا وتعبًا، فأعيدوا لهم شيئًا من الأمل.