"إثارة النّعرات الطائفيّة" هي التهمة التي يواجه بها قضاء السلطة الفلسطينية في رام الله المعتقلين السياسيين، ووفقًا لمعطيات وشهادات حقوقية نشرت على منصّات متعددة.
العشرات من أبناء الضفة الغربية المحتلة، وجدوا أنفسهم في طرفة عين متهمين في لائحة النيابة العامة المقدمة للقضاء بهذه التهمة، فيما يواجهون "مخالفات" تتعلق بالتطرق لقضايا سياسية بالقول أو الفعل من شأنها "إثارة الفتن والمشاكل في المجتمع"، بما يضمن بقاءهم رهن الاعتقال مُدَدًا مختلفة.
ووفقا لفصائل وقوى سياسية، تعكف أجهزة أمن السلطة على تنفيذ حملات اعتقال واستدعاء سياسية يومية بحق نشطاء وعناصر حركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى المعارضة لسياساتها، فيما نشرت مؤخرًا لجنة الحريات بيانًا يوثق وجود 100 معتقل سياسي لدى السلطة.
قانون العقوبات
ونشر محامي مؤسسة الضمير مهند كراجة، أخيرًا على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، صورة علق عليها بأنه يظهر فيها أبٌ واثنان من أبنائه، جميعهم معتقلون لدى جهاز "الوقائي" بتهمة إثارة النعرات الطائفية، ومع البحث عن التفاصيل وجد تهمة أحد الأبناء "كتابة منشورات وتواصل مع أصدقاء من غزة"، والتي هي ليست جريمة، متسائلا عن تهمة الأب؟!
ويوضح مدير مركز إعلام وحقوق الإنسان والديمقراطية في الضفة الغربية، شمس عمر رحال، أنّ تهمة "إثارة النعرات الطائفية" مندرجة ضمن قانون العقوبات الأردني، الذي لا زالت السلطة الفلسطينية متمسكة به رغم قدمه، وتعديله عدة مرات في الأردن ذاتها.
ويؤكد رحال لصحيفة "فلسطين"، أنّ استخدام السلطة وأجهزتها الأمنية لهذا القانون، "استخدام سياسي"، مضيفا: "من المعيب أنّ نتحدث أن هناك إثارة نعرات طائفية في فلسطين، ولا يوجد في الأصل أي خلاف مجتمعي ما بين المسلمين والمسيحيين والسامريين".
ويشدد على أنّ تبرير اعتقال السلطة للمواطنين تحت ذريعة "إثارة النعرات الطائفية" يمثل "عذرًا أقبح من ذنب"، لافتا إلى أن أجهزة أمن السلطة تحاول تبرير اعتقالاتها السياسية بهذه التهمة، لعدم قدرتها على توضيح سبب الاعتقال الحقيقي، والذي يعد شيئًا معيبًا ومشينًا وغير مقبول لدى الرأي العام.
تهمة مقولبة
ويُضيف: "هي تهمة مقولبة، وتبرر الاعتقال لمن اعتقل على خلفية رأي أو انتمائه لحزب وليس أكثر، وسيكون محط سخط لو تم حديث السلطة عن ذلك صراحة، لكن عندما تتحدث عن كون الأمر إثارة للنعرات الطائفية، فمن الممكن أن تجد مبررًا لدى البعض بأنه محاولة للحفاظ على السلم الاجتماعي".
ويلفت رحال إلى أنّ القانون الأساسي الفلسطيني وفي المادة (26) منه، يتحدث صراحة عن حق المواطنين في تأسيس الجمعيات، والانتماء للأحزاب السياسية، والمشاركة في الأنشطة السياسية، وهي أمور تناقضها جميعا تهمة "إثارة النعرات الطائفية".
ويؤكد أنّ غياب "التشريعي" عن دوره الرقابيّ، من شأنه أن يسمح باستمرار سطوة السلطة التنفيذيّة وتغوّلها على حقوق المواطنين، مستغلّة تشريعات فضفاضة قديمة شرّعت لحماية النّظام السياسيّ في ذلك الوقت وملاحقة المعارضين.
في حين يشير مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان جنوب الضفة، فريد الأطرش، أنّ تهمة "إثارة النعرات الطائفية" منبثقة عن قانون العقوبات الأردني، ويوظف غالبًا كغطاء لاعتقال المواطنين على خلفية انتمائهم السياسي.
فراغ يدها
يوضح الأطرش لـ"فلسطين"، أن أمن السلطة يضع هذه التهمة للأشخاص الذين تعتقلهم على خلفية سياسية، كتهمة "جاهزة"، مع فراغ يدها من أي تهمة حقيقية توجهها لهم لإرفادها للقضاء، مشيرًا إلى أنّ معظم من يعتقلون على هذه التهمة غالبًا ما يتم الإفراج عنهم لاحقا، ويحصلون على البراءة.
ويؤكد أنّ هذه التهمة الموجهة لأي من الخصوم السياسيين أو حتى المواطنين، تمثل مخالفة للقانون الأساسي الفلسطيني، سيما وأنها تعدو بوابة للاعتقال السياسي المرفوض والمحظور ممارسته في أي مكان.
ويرى الأطرش أنّ المظلومية التي يتعرض لها المعتقلون سياسيًا على بند هذا الاتهام، يستدعي الوقوف وقفة جادة من كافة الجهات المسؤولة، لوقف العمل به، وإلغاءه النص التشريعي بشكل مطلق، في ظل الضعف في تفسير هذه النصوص، وفتحها للمجال لإمكانية اعتقال أي مواطن في أي وقت.
ويلفت إلى أنّ القانون الأساسي لا يمنع المواطنين من انتقاد القضايا الوطنيّة العامّة، ولا يجب مساءلتهم عن ذلك، ولا مبرّر لاستخدام هذه المادّة لأنها تهمة تكاد أن تكون محط مخالفة قانونية واضحة.