فلسطين أون لاين

​بين التأقلم والتنازل حدودٌ ينبغي عدم المساس بها

...
صورة تعبيرية
غزة - فاطمة أبو حية

يرى البعض أن التأقلم ميزة لا يتحلى بها الجميع، ومهارة لا يقوى الكل على ممارستها، فيما يصفه آخرون بأنه أكبر تنازل قد يقدمه الإنسان في حياته، على اعتبار أن التأقلم يفرض على الفرد التخلي عن بعض الأمور ليتوافق مع البيئة المحيطة، سواء كان ذلك في العلاقات الاجتماعية مع الأقارب والأصدقاء، أو في العمل، أو غير ذلك؛ فهل التأقلم في الأصل هو ميزة ومهارة؟ أم أنه تنازل لا داعي له؟ أم ثمة فواصل بين الحدّين إن أُزيلت تؤدي إلى تحول التأقلم إلى تنازل؟

ليتني ما فعلت!

الشابة "نيرمين عوّاد" ترى أن للتأقلم أماكن خاصة به، ولا ينبغي أن يمارسه الإنسان في كل نطاقات حياته.

وتقول: "يحتاج الفرد إلى التأقلم مع البيئة التي يعنيه أمرها فقط، أما في غير ذلك فلا داعي له، فعلى سبيل المثال يكون مناسبًا إن كان مع الأهل والأصدقاء المقربين للتغاضي عن بعض عيوبهم واستمرار العلاقة معهم".

وتضيف عوّاد التي تعمل في شركة خاصة: "يختلف شكل التأقلم ودرجته من بيئة إلى أخرى، فأنا قد أغير بعض صفاتي أو أتنازل عن بعض مطالبي لكي أتأقلم مع أسرتي، ولكن في بيئة العمل مثلًا لا أحتاج لفعل ذلك، كل ما في الأمر أنني أريد أن أستمتع بعلاقة مستقرة مع الزملاء".

وتتابع: "تعلمت هذا الدرس من تجربتي، فقد تأقلمت مع بيئة العمل بدرجة أكبر مما كان ينبغي عليّ فعله، وليتني ما فعلت، فقد حوّلت علاقة الزمالة إلى صداقة، وتداخلت كثيرًا مع زميلاتي، إلى أن وجدت من بعضهن تصرفات مسيئة لي".

أما "محمد نبهان" فيقول إنه يتراوح بين "الأبيض" و"الأسود" في كثيرٍ من علاقاته، فهو يتأقلم مع كل ما يمكن التأقلم معه، ولكن إن وجد خطًا كبيرًا فلا يمكنه أن يرضى بالواقع من أجل تسيير العلاقات.

ويوضح: "أتأقلم حتى آخر نفس، ولكن في النهاية أنا مستعدٌ لأن أخسر بعض العلاقات، وبعض المصالح الشخصية، إذا مسّ الأمر بعض المبادئ والخطوط الحمراء"، لافتًا إلى أن هذا الأمر سبب له الكثير من المشاكل، ولكنه لا يهتم بذلك لأنه راضٍ عن نفسه.

مهارةٌ بشرط..

ويقول مدرب التنمية البشرية مروان الدهدار: إن التأقلم مع البيئة المحيطة مهارة لا يملكها الجميع، وهي ميزة يتمتع بها الإنسان، شرط ألا تمس المبادئ والثوابت، لأنها بذلك تتحول إلى تنازل.

ويضيف لـ"فلسطين": "يختلف حجم تأقلم الشخص مع محيطه حسب طبيعة شخصيته، والثقافة التي يمتلكها، وبيئته، وقدرته على التكيف مع مختلف المتغيرات من حوله والتجاوب معها وفقًا للإمكانيات المتوفرة".

ويتابع: "للتأقلم حدود وضوابط تحول بينه وبين تحوله إلى تنازل، وهذه الحدود هي المبادئ والمسلمات التي ينبغي عدم المساس بها"، مبينًا: "قد يجد الفرد نفسه في بيئة ما يناسب أفكاره والأمور التي تمثل خطوطًا حمراء بالنسبة له، وهنا تظهر المشكلة".

ويوضح الدهدار: "طالما كان التأقلم ممكنًا، فهو الأفضل، ولكن دون استسلام، فمن يجد نفسه في بيئة بها بعض العيوب، عليه أن يتأقلم معها ويحاول تغييرها وتحسينها، ولكن لا يكتسب الصفات السيئة أو يمارس العادات السلبية الموجودة فيها"، لافتًا إلى أن هناك من يكتفي بالتذمر ممن حوله وتوجيه اللوم لهم، وهناك من ينصحهم ويعمل على تغييرهم.

أما في حال كانت البيئة المحيطة بها ما يستدعي المساس بالمبادئ من أجل التأقلم، فلا بد من التحلي بالمرونة لتحقيق التوازن، وقد يصل الأمر إلى ضرورة قطع العلاقة بهذا الوسط تمامًا إن استدعى الأمر حتى لا يتنازل الإنسان عن مبادئه، وفقا للدهدار.

ويشير إلى أن أهمية التأقلم والانتباه إلى عدم تحويله إلى تنازل أمر يسري على كل دوائر حياة الإنسان، كالعلاقات الشخصية وبيئة العمل وغيرها.