خطاب وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو أمام الجامعة الأميركية في القاهرة، هاجم فيه السياسة الأميركية في عهد الرئيس السابق باراك أوباما بخلق الفوضى في منطقة الشرق الأوسط واصفا ذلك بـ "عار أميركا" مشيرا إلى ما أسماه الفوضى في المنطقة التي خلفها وخص بالذكر عدم التساهل مع إيران لما تمتلكه من أسلحة خطيرة تهدد بها المنطقة، وطالب بمواجهتها ونزع أسلحتها، ولم يتحدث بكلمة واحدة عن (إسرائيل) حليفة الولايات المتحدة التي تكدس في ترساناتها أحدث أسلحة الدمار الأميركية عدا عن الأسلحة النووية التي أكدت مصادر أجنبية مرارا امتلاك إسرائيل لها، كما لم يتطرق إلى قضية الشرق الأوسط المركزية، قضية فلسطين واحتلال إسرائيل غير المشروع للأراضي الفلسطينية والعربية وانتهاكاتها الجسيمة للقانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية.
على عكس ذلك اثنى بومبيو على ادارة ترامب بأنها "قوة خير" في الشرق الاوسط، فأين هو الخير الاميركي في الوقت الذي تصطف فيه هذه الادارة,الى جانب الاحتلال الاسرائيلي غير المشروع وتدعمه بشكل مطلق فيما تعادي الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره والعيش حرا في دولته المستقلة ذات السيادة على ترابه الوطني؟ وأين هو الخير من السياسة الاميركية التي تقف موقفا عدائيا من اللاجئين الفلسطينيين الذين هجّرهم الاحتلال الاسرائيلي قسرا من ديارهم عام ١٩٤٨، وتدوس على قرارات الشرعية الدولية الخاصة بحقوق اللاجئين في العودة الى ديارهم، وأين هو الخير في السياسة الاميركية التي تنشر قواعدها العسكرية في عدة دول عربية وتحتل اراضي دول عربية اخرى بشكل غير مشروع؟!
ان لفظ بومبيو مصطلح "قوة الخير" لا ينطبق قولا وفعلا على السياسة التي تنتهجها الادارة الاميركية التي ينتمي اليها بومبيو نفسه والتي تنتهك القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية وتتنكر لإرادة المجتمع الدولي هو "عار أميركا" الحقيقي. وإن محاولة بومبيو ذر الرماد في العيون والاستخفاف بالعقل العربي بالإيحاء وكأن مشاكل المنطقة تنحصر في ايران وحزب الله متجاهلا الخطر الاسرائيلي الاكبرعلى الشرعية الدولية، إنما هي محاولة بائسة لن تنطلي على ابناء الامة العربية بمن فيهم ابناء الشعب المصري، الذين يدركون تماما ان استمرار المأساة الفلسطينية واستمرار احتلال الاراضي الفلسطينية والعربية من قبل (اسرائيل) بما يخالف القانون الدولي سببه السياسة التي تنتهجها الادارة الاميركية في دعم (اسرائيل) بالمال والسلاح والحماية في المحافل الدولية.
فالفوضى التي يتحدث عنها بومبيو, وليدة التدخل الاميركي السافر في الشؤون العربية ودعمها السافر لتنظيمات وميليشيات هددت الامن والاستقرار في اكثر من قطر عربي ووليدة الغزو العسكري الاميركي لأكثر من قطر عربي سواء العراق أو سوريا أو غيرهما مما اسهم بشكل رئيسي في خلق الفوضى التي يتحدث عنها بومبيو.
وليتذكر بومبيو ان "عار أمريكا" الحقيقي يتمثل في ادارة ترامب نفسها التي تنتهك القرارات الشرعية الدولية وبقيت مع (اسرائيل) عن باقي المجتمع الدولي عندما اعترف ترامب بالقدس عاصمة (لإسرائيل) وقرر نقل سفارة اميركا من تل ابيب الى القدس، ثم صعّد عداءه للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة بوقفه المساعدات الاميركية للأونروا وللسلطة الفلسطينية ولمستشفيات القدس وحاول التشكيك في اعداد اللاجئين الفلسطينيين واعطى الضوء الاخضر للاحتلال الاسرائيلي غير المشروع لتوسيع الاستيطان واسدل الستار على حق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني.
أن يهاجم بومبيو سياسة إدارة اوباما السابقة فهذا شأن اميركي داخلي، لكن عندما تحدث عن عار امريكا فقد أصاب بأن بلاده احدثت فوضى في المنطقة وبالذات الإساءة للقضية الفلسطينية جوهر الصراع العربي الإسرائيلي باتباع سياسة الكيل بمكيالين ومحاباة الاحتلال الإسرائيلي.
ولذلك نقول ان هذه الكلمات التي اطلقها بومبيو في القاهرة لن تطمس حقيقة السياسة الاميركية المناهضة للامة العربية وللشعب الفلسطيني الذي لا زال يعاني بسبب هذا الانحياز الاميركي المطلق للاحتلال الاسرائيلي.
يذكرني خطاب بومبيو بخطاب الرئيس السابق باراك اوباما ايضا في جامعة القاهرة وقال انه سيمسح عار ما احدثته ادارة بوش الابن، ولم يقدم للقضية الفلسطينية شيئا وكان اكثر من سابقيه في دعم الاحتلال، هكذا تتبادل الإدارات الأمريكية الأدوار في الانحياز للاحتلال الاسرائيلي..
فعلى بومبيو أن يبحث في قواميس بلاده كيف يمكنه مسح العار ويبيض صفحة الإدارة الأمريكية افضل من الكلمات التي اطلقها في القاهرة التي لم تعد تنطلي على عقولنا ولن تطمس حقيقة السياسة الاميركية المناهضة للامة العربية وللشعب الفلسطيني الذي ما زال يعاني بسبب هذا الانحياز الاميركي المطلق للاحتلال الاسرائيلي.