فلسطين أون لاين

​مكافأة القسام وعمق التجنيد المزدوج

يسجل للمقاومة الفلسطينية نجاحها في إدخال أساليب جديدة، في عملها الاستخباراتي المضاد، إذ لم يعهد على كتائب القسام أن أعلنت عن مكافأة مالية مماثلة، تسعى من خلالها لضرب الاستراتيجية التي تقوم عليها أنشطة الاستخبارات الصهيونية، و التي استخدمت المال كوسيلة رئيسة لإسقاط الأشخاص في وحل العمالة.

لا أعتقد أن "المكافأة" التي أعلنتها "القسام"، جاءت من فراغ، إنما جاءت عن دراسة عميقة، ويمكنني تبيان أثر تلك المكافأة في المحاور التالية:

أولا: أهمية المال في تجنيد العملاء:

منذ بدء الصراع مع الاحتلال الصهيوني وتشكيله للأجهزة الأمنية والاستخبارية المختلفة كان من أهم أهدافه تجنيد عملاء من كل المناطق الجغرافية الفلسطينية، وذلك لإمكانية جمع المعلومات واستطلاع كافة التطورات والأحداث، ومعالجتها والاستفادة منها في الحد من الأنشطة التي يبذلها الفلسطينيون في صراعهم القائم مع الاحتلال، فضلاً عن استخدام المعلومات التي يوفرها العملاء في تصفية واغتيال نشطاء وكوادر المقاومة الفلسطينية واعتقال آخرين منهم.

ولقد وجدت الأجهزة الاستخبارية الصهيونية ضالتها في تجنيد العملاء مستخدمة الطريقة الفضلى والأكثر نجاعة، وهي "الإغراء بالمال" ليتم إسقاطهم في وحل العمالة والارتباط مع الأجهزة الصهيونية، فكان المال هو المحرك والدافع للسقوط إلى جانب وسائل أخرى قد تكون أقل درجة من قوة تأثير المال.

ثانيا: الغرض من إعلان المكافأة:

المقاومة الفلسطينية تعمل ضمن رؤية ومخطط استراتيجي وتفعل وسائلها الدفاعية لزيادة التدريع وتحصين الأنظمة والمعلومات، وتحيط قادتها وملفاتها الحساسة بجدار فولاذي يصعب اختراقه، وتسارع إلى ترميم وسائلها وتطوير أدائها لتصل إلى اختراق منظومة العمل الصهيونية.

ولقد أرادت إحداث شرخ في حالة الانسجام الحاصلة بين المشغّل الصهيوني وعملائه في الميدان، كما أن المقاومة تسعى لنشر حالة الارتباك في صفوف القوات الخاصة من احتمالية الغدر بهم ووقوعهم أسرى في يد المقاومة، أو ربما صرعى في كمين محكم، وهذا ليس بعيداً فيمكن أن نراه واقعاً؛ والعملاء لا يهمهم إلا الحماية والحصول على المال فهم لا يتحركون بدافع أيديولوجي أو سياسي أو أي دافع آخر، لذلك فإدخال المال في هذه المعركة كان مناسباً وحكيماً ويعكس طبيعة الأهداف الكبيرة التي تسعى المقاومة لتحقيقها.

ثالثا: التداعيات على استخبارات العدو:

لا شك أن العدو الصهيوني يتابع عن كثب كل ما يجري في الساحة الفلسطينية ويتأثر بكل خطوة تقوم بها المقاومة ويفرد اهتماما خاصاً بعملها وأنشطتها، وتقع مسؤولية المتابعة والرصد وجمع المعلومات وتجنيد العملاء وتحديد الأهداف على عدة أجهزة استخباراتية صهيونية تشكل غطاء كاملا لهذا العمل والتي تشكل مصدراً لعمليات الجيش الصهيوني في تحركه على الأرض وفى حروبه واستهدافاته المتكررة، كما أن هذه الأجهزة على اتصال وتشاور مستمر مع القيادة السياسية للكيان وتشارك في بناء الاستراتيجيات وفى اتخاذ القرار، وتدرك الأجهزة الاستخباراتية الصهيونية خطورة إعلان القسام ومحاولة تأثيره على العملاء، وتتحسس جيداً من هذه الخطوة كونها قفزة في معركة الوعي وطريقة التفكير التي يمارسها القسام.

الاستخبارات الصهيونية حاليا في مأزق حقيقي كونها عدوا ماكرا وخبيثا وتدرك أن الأمر ليس مجرد دعابة أو خطوة للمناورة والاستهلاك، وهي الآن تشعر أنها أمام تحد جديد لا يمكن مواجهته, فالأمر أصبح بيد العميل الذى يمكن أن يغير موقفه في لحظة ويعود لحضن شعبه ويسلم جنودا عاملين داخل الأراضي الفلسطينية ويتسبب في الأسر أو القتل ولا يمكن منعه أو مساومته بعد ذلك وتنتهي حالة ابتزازه والضغط عليه لأنه قرّر أن يصبح ملكاً للمقاومة الفلسطينية وأن يحرف السهم ليصيب نحر مشغليه.

رابعا: مدى استجابة العملاء للإعلان:

العملاء لا يعيشون ظروفا طبيعية فهم في حالة خوف وترقب دائمين، ويخشون من افتضاح أمرهم واعتقالهم، وكثير منهم كان يراوده تأنيب وصحوة ضمير، ويتمنى أن تنتهي هذه الدائرة التي يدور فيها تائها بين الخوف والابتزاز والخيانة والملاحقة، وهذا بلا شك يعطي العملاء فرصة إضافية للنجاة والخروج بمخرج آمن يخلصهم من ويلات هذا الطريق، فالعملاء يعيشون داخل المجتمع ويستمعون جيداً ويتأثرون بما يثار حول هذه المكافأة الملازمة للعفو والحماية والتي تشكل أسمى ما يمكن أن يفكر ويحلم فيه أي عميل تورط وسقط في هذا الوحل، من هنا سنجد فاعلية وترجمة حقيقية وسنلحظ مفاعيل هذه الدعوة واقعاً في الصراع القائم مع الاحتلال، بل سيتلقى العدو الصهيوني سهاماً صائبة، وستقع قواته في كمائن ميدانية في منتهى الخطورة، ليتفاجأ بالكارثة الحقيقية وبخيانة وغدر العملاء له وتخليهم عن مهامهم الأصلية وقد انصهروا في جبهة واستراتيجية جديدة شكلتها المقاومة، فجدار الإغراء سيتهاوى قريباً والعملاء سيفرون من قبضة مشغليهم نظراً للحكمة التي مارستها قيادة المقاومة في إدارة هذا الصراع.

خامسا: المسؤولية الوطنية والأخلاقية:

إن تحصين جبهتنا الداخلية وبناء جدار من الحماية، يكون من خلال التربية وغرس حالة من الوعي والإدراك، وبصد كل الوسائل الخبيثة والمشبوهة التي يمكن أن تنال من الأجيال، وفيما يتعلق بمكافأة القسام التي أعلنها والمبلغ الذي أفصح عنه وما صاحبه من تفاصيل وما أعقبه من ردّات فعل وتحليل ونقد في الساحة الفلسطينية، فإن الواجب يحتم الاصطفاف إلى جانب هذا الجهد والمشاركة في تنمية تلك الاستراتيجية وتناولها من المنحى الإيجابي، وتثمين دور المقاومة التي تدخل في سباق وصراع معقد في استخدامها لنفس الأدوات التي يمارسها العدو على أبناء شعبنا، وواجبنا ككتاب وباحثين ليس الوقوف على نواصي الكلمات وإطلاق سيل من الانتقادات والتحليلات التي تنحدر إلى المغالاة في سلبية الفكرة وطريقة الإعلان عنها، لأن هذه الكلمات يمكنها أن تفعل الكثير لو تناولت الأمر بشكل مختلف لتنمي الجانب الإيجابي وتدعم الطريقة الاستراتيجية التي تفكر بها المقاومة وتسعى لفرضها.