تشهد الساحة الفلسطينية صراعاً قاسياً في مواجهة الأخطار والمكائد الصهيونية التي تحاول التسلل إلى جبهتنا وتحصيناتنا الخاصة، في محاولة يائسة للاختراق والسيطرة وتحقيق أهداف أمنية واستخباراتية تخدم أغراضه الاستعمارية الإجرامية.
لكن دوماً هناك في الخفاء عقول فلسطينية مقاومة متأهبة وجاهزة تدير هذا الصراع الذى يجري في الخفاء بكل هدوء ويقظة تامة، تعمل على إفشال المخططات الصهيونية، ليس هذا فحسب بل تسديد أهداف في المرمى الصهيوني وتسجيل نقاط جديدة تخدم مشروع المقاومة وتزيد من الزخم الأمني والاستخباراتي والميداني بشكل كبير.
وفى قراءتنا لعملية حد السيف، نجد تفاصيلها تنسجم تماماً مع حالة الصراع القائمة بين المقاومة والجهات الاستخبارية والأمنية الصهيونية، فهذه العملية في دلالاتها ومضامينها تشكل تحولاً مهماً، ونقطة فارقة في صراع الأدمغة، وتعكس القوة التي تتمتع بها المقاومة وتوحي بشكل واضح إلى الجانب الاستراتيجي في أسلوب وطريقة التفكير لدى المقاومة.
لا شك أن المخطط الصهيوني كان خطيراً وحساساً بدرجة كبيرة، ورصدت له موازنات ضخمة واختير لتنفيذه أفضل النخب العسكرية الصهيونية المجهزة والمدربة، والتي استعدت للعملية واستمر تهيئتها وتأهيلها على مدار عام, نظراً لحساسية ودقة الأهداف وصعوبتها، فالاحتلال حينما يختار هدف الوصول إلى اختراق منظومة القيادة والاتصالات الخاصة بالمقاومة يدرك جيداً حجم التحديات التي يمكن أن تواجهه، وطبيعة المصاعب التي يتجهز للتغلب عليها، فهذه عمليات تتم داخل عرين الخصم والخطأ فيها قاتل، لذلك بذلت جهود مهولة لإنجاح العملية وتحصين القوة الصهيونية من أي مخاطر محتملة، وفى التدريبات جرى محاكاة كل الاحتمالات.
ولأن القسام ليس سهلاً فهم يعلمون حقيقة الجهة المراد استهدافها ومدى خطورة الاقتراب منها وتداعيات ذلك على حياة القوة العاملة وعلى مصير العملية بشكل عام والمعدات المرتبطة بها، والآثار الكارثية حال كشف أمرهم أو فشلت العملية.
لكن هناك عيون لا تنام وعقول لا تتوقف عن البحث والتفكير ومعالجة لكل البيانات والإشارات التي ترد للمقاومة من مقاتليها الذين صقلت خبراتهم من خلال التدريب والتأهيل المستمر وراكمت خبرات طويلة في صراعها المستمر مع الاحتلال وانتقلت بالقدرات والإمكانات لدرجة تأهلها للمساس ليس بمصالح العدو وإفشال مخططاته الإجرامية فحسب، بل والوصول إلى العمق الصهيوني وفهم طبيعة ما يجري إعداده في حالات مختلفة، من خلال طرق وأدوات ووسائل يتقنها أبطال القسام بقيت طي الكتمان تتم في الخفاء بعيداً عن الأضواء، وهذا بدوره كان فاعلاً في كشف المخطط الأخير وإفشال القوة الصهيونية الخاصة في عمليتها الأخيرة في القطاع ضمن واحدة من أكبر وأعقد العمليات الأمنية والاستخباراتية التي تخوض غمارها كتائب القسام فيما أطلقت عليها "حد السيف" والتي أصابت أجهزة الاستخبارات الصهيونية في مقتل، وحطمت الآمال الصهيونية من وراء العملية لتضع حداً لطموحاتهم الأمنية والاستخبارية، في هزيمة لم يتوقعها العدو، وانتكاسة أصابت قواته العاملة في مقتل.
لقد كانت هذه العملية فاتحة خير على قيادة المقاومة، وكنزاً أمنياً واستخباراتيا وميدانياً غير مسبوق في ظل الحصول على كمية من المعلومات والمعدات والوثائق الصهيونية التي غنمتها كتائب القسام واستطاعت الوصول إليها، في ظل سعي العدو لطمس أي معالم أو آثار خلف هذه القوة، فقصف المركبات والأماكن المحيطة كان ضمن هذه الأهداف، لكن خاب أمله، بعدما تفوقت عليه المقاومة رغم فارق الإمكانات والتجهيزات، وسجلت نقاطاً إضافية وألحقت العار بقواته وفرقه النخبوية التي يتباهى بإنجازاتها في الساحات المختلفة.
لم تكتف المقاومة بإفشال العملية الصهيونية فحسب، بل عمدت إلى نشر صور أفرادها إلى العامة وفضح دورها وكشف الأجهزة التي تتبع لها والإفصاح عن طبيعة المهام والأدوار التي تقوم بها، وهذا يعطي دلالة واضحة أن المقاومة عازمة على حرق وإنهاء دور هذه الفرقة الصهيونية الإجرامية التي عملت في ساحات مختلفة داخل وخارج فلسطين، ويبدو أن لدى القسام ما لا يمكن الكشف عنه حالياً في هذا الشأن لحساسية الأمر وتعلقه بأطراف خارج فلسطين.
وعلى أي حال لم تقف تداعيات فشل العملية الصهيونية عند الجوانب الأمنية والاستخباراتية، فكان لها تداعيات تمس بالقيادة السياسية، التي كانت توفر غطاء لمثل هذه العمليات الاستراتيجية، فبدا واضحاً حالة الاشتباك والمزاودة والتلاوم بين القيادات السياسية الصهيونية والذي أفرز بدوره سقوط وزير الحرب الصهيوني "ليبرمان" جراء فشل العملية، حتى رئيس وزرائه "نتنياهو" أيضا لا يمكنه التخلص من هذا العار الذي يلاحقه وربما يؤثر عليه في أي انتخابات قادمة. بينما ظلت قيادة المقاومة متماسكة وتتمتع برباطة جأش وبقي القائد العام للكتائب يصدر توجيهاته ويتابع عن كثب، وسادت حالة عارمة من الفرح أوساط شعبنا الفلسطيني والذي تلقى شكراً خاصاً من قيادة المقاومة للتجاوب والتعاون الذي قدمه للمقاومة في سعيها للكشف عن التفاصيل، نعم هذا الشعب المعطاء يثبت في كل يوم التفافه واحتضانه للمقاومة وحرصه على حماية ظهرها، والمساعدة في كشف العملاء والذين تساقطوا تباعاً خلال العملية والكشف عن بعضهم.
ما حدث في هذه العملية النوعية يعطي نموذجاً مشرفاً تديره المقاومة في غزة وهى تسطر بالدماء ملامح الفخر والاعتزاز، وقد رفعت صوتها وهتفت بسلاحها أن غزة أرض حرام على الغزاة مهما كانت إمكانياتهم وقدراتهم ومهما كانت القوى الاستعمارية التي تقف خلفهم وتوفر لهم الدعم والغطاء، في الوقت الذي يتهافت ويتساوق فيهفريق في رام الله مع المصالح والرغبات الصهيونية في أسوأ نموذج يحمل معاني الخزي والعار الملبس بالتنسيق الخياني مع الاحتلال.