رأى محللان سياسيان أن طلب رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، أمام القمة الـ 28 للاتحاد الأفريقي "عدم إقامة علاقات مع الاحتلال الإسرائيلي على حساب قضية الشعب الفلسطيني، التي ما زالت بحاجة لتماسك المواقف الإفريقية"، يجب أن يترجم إلى فعل دبلوماسي لاستثمار العلاقات بشكل لا يسمح بتمدد النفوذ الإسرائيلي.
ويعتقد هؤلاء، أن العرب عموما لم يحسنوا البناء سياسياً واقتصادياً على الرغم من التاريخ الطويل للعلاقات الإفريقية العربية، ما دفع بـ(إسرائيل) إلى استقطاب الدولة الإفريقية من المدخل الأمني والاقتصادي.
وفلسطين عضو دائم ونائب للرئيس في منظمة الوحدة الأفريقية، ويسعى الاحتلال إلى العودة بصفة عضو مراقب بعد تجميد عضوية (إسرائيل) كمراقبة منذ 25 عاما.
تراجع موضوعي
وشهدت العلاقة الفلسطينية الأفريقية "تراجعا لأسباب موضوعية أهمها انتهاء ثنائية القطبية، والتحولات في أساليب تشكيل العلاقات بين الدول على أساس المصالح وليس المواقف الأيديولوجية فقط"، كما يؤكد أستاذ العلوم السياسية د. علي الجرباوي.
ويقول الجرباوي: "العلاقات الأفريقية الإسرائيلية تحركها المصالح، ولدى الأخيرة ما تقدمه للقارة السمراء في ظل انعدام الإمكانيات الفلسطينية".
ويرى الجرباوي، أن السلطة الفلسطينية "أهملت دورها الدبلوماسي في الدول الأفريقية اعتقاداً منها بضمان ثبات مواقف تلك الدول الداعمة للقضية الفلسطينية، وأن العلاقات تدار كما لو في السبعينيات".
وقطعت العديد من الدول الأفريقية علاقاتها الدبلوماسية مع الاحتلال الإسرائيلي في سبعينيات القرن الماضي بعد هزيمة 1967.
ولا ينكر أستاذ العلوم السياسية، عدم امتلاك السلطة متغيرات القوة السياسية في مواجهة القوة الاقتصادية الإسرائيلي "لكن شح الإمكانيات يجب ألا يكون مدخلاً لإحلال الدبلوماسية الإسرائيلية، فلدينا سفراء أكثر مما لدى (إسرائيل) وعلينا معرفة ماهي مصالح الدول معنا وماذا تريد منا".
ويضيف: "تدويل القضية الفلسطينية يعتمد على الحلفاء الدوليين ومدى قدرتنا على أن نصدر القرارات اللازمة في المحافل والمؤسسات الدولية وهنا الأصوات مهمة، وهذه العلاقات تفيد عندما تحتاج التأييد في القرارات".
مصالح أمنية واقتصادية
بدوره، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي د. صالح النعامي، أن التطبيع العربي مع الاحتلال الإٍسرائيلي كان دافعاً قوياً لـ(إسرائيل) من أجل إحياء العلاقات وتحقيق النفوذ في القارة السمراء.
ويلفت إلى أن أفريقيا تمثل بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي قوة عددية في المحافل الدولية "وهذا الإدراك يأتي في سياق الوعي بطبيعة الصراع العربي الإسرائيلي، باعتبار القارة الأفريقية ساحة من ساحات إدارة المعركة، وإمكانية الاستفادة من ثقل الصوت الأفريقي في الأمم المتحدة هذا المجال".
ويقول النعامي لـ"فلسطين أون لاين"، إن "العلاقات الإسرائيلية الإفريقية محصورة في المجال الأمني والاقتصادي التي تبنى عليها مصالح سياسية، حيث تحتاج الدول الإفريقية إلى السلاح والخبرات الأمنية الإسرائيلية لاسيما في مجال تأهيل الألوية العسكرية المسؤولة عن حماية أمن الرؤساء الأفارقة".
ويشير، إلى إحكام الاحتلال السيطرة على صناعة التنقيب على النفط، حيث تتولى شركات إسرائيلية بغطاء أوروبي التنقيب عن النفط في عدد من الدول الأفريقية، إذ تعززت رغبت (إسرائيل) في استغلال احتياط النفط الأفريقي على إثر تقارير أممية تحدثت عن 80 مليار برميل.
ويُفصل في طبيعة المصالح الإسرائيلية، باستغلال الاحتلال لضعف بنية بعض الدول والرقابة الأفريقية، من خلال البحث عن المواد الخام لاسيما اليورانيوم واستخراجه دون أن إشعار الدول بذلك.
وتابع الخبير في الشأن الإسرائيلي:" "تعتبر أفريقيا سوق واسع للمنتوجات الإسرائيلية، حيث تحتكر (إسرائيل) الكثير من الصناعات والمرافق الاقتصادية في عدد من الدول الأفريقية، فعلى سبيل المثال تحتكر الشركات الإسرائيلية صناعة الغذاء في أثيوبيا، كما تعتبر صناعة وتصدير الماس أحد أهم مصادر الدخل القومي الإسرائيلي، حيث أن جميع الماس يتم استخراجه من الدول الأفريقية".
وتمكن الاحتلال الإسرائيلي من ترميم علاقاته بأفريقيا لاسيما في وسط وغرب القارة، بعد توقيع اتفاق السلام مع مصر، وانعقاد مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط عام 1991. وبات الاحتلال الإسرائيلي يقيم حالياً علاقات دبلوماسية كاملة مع أربعين دولة بالقارة.
وما زالت المؤسسات الأفريقية -كالاتحاد الأفريقي الذي يضم في عضويته 45 دولة- تقاطع الاحتلال الإسرائيلي، كما يقول كثير من المسؤولين والخبراء الأفارقة إن الخطاب العام في القارة ما زال إلى جانب حق الفلسطينيين في الحصول على حريتهم وسيادتهم على أرضهم.