فلسطين أون لاين

​بين الديار والقضبان

...

عام كامل أمضاه في الأسر لم يزره أحد، ولم يتلق رسالة من أحد.. يغبط الأسرى الآخرين وهو يرى في كل زيارة من يأتي إليهم يسأل عنهم، ويسعى لرؤيتهم، أمهاتهم.. آبائهم.. إخوتهم... الخ. أما هو فيبدو له الحال وكأن الدنيا في الخارج قد عبرت ونسيته.. هو يعرف جيدًا قلب والدته، ولكن هو والده الذي يرى في وقوعه أسيرًا خروجًا عن طاعته، وتمردًا على قوانينه وسلطته.

  • أرجوك.. دعني أذهب إليه.. أريد أن أراه..
  • أقسم بأنك لن تذهبي.. ولن تره عيناك ما دام في السجن.
  • لم يعد قلبي يحتمل أكثر من ذلك.. ألا تخاف الله؟ عام بأكمله قد انصرم، ألا يكفي ذلك؟.
  • دعيه يمكث في السجن حتى يتعفن.. لن أتعرف عليه، ولن أدع قلبي يحنُّ عليه. قلت له مرارًا وتكرارًا أن يبتعد عن كل ما من شأنه أن يوجع رؤوسنا ويجلب لنا المشاكل.. ولكنه عنيد.. عنيد.. رأسه مثل صخور الصوان.
  • ابنك يحب وطنه، لم يعد يطيق رؤية الصهاينة يصولون ويجولون بحرية تامة بينما نحن أصحاب الأرض مقيدون مكبلون مستباحو الحمى.. كرامته تأبى عليه ذلك.
  • اصمتي يا امرأة.. لم يشجعه أحد سواك للانطلاق في ذاك الدرب. وهل تظنين أن جروَك هو من سيحرر البلاد؟ وهل تعتقدين أن الحجر أو السكين التي يتسلح ابنك بها قادرة على اقتلاع المحتل من هذه الأرض؟ لا تثيري أعصابي.. لم أعد أحتمل مشاكلك ومشاكل ابنك.
  • وأنا لم أعد احتمل قسوتك والبعد عنه أكثر من ذلك..
  • قلت لن تذهبي، ولا أريد الحديث في هذا الموضوع أكثر من ذلك.
  • هل تريدني أن أموت كمدًا؟.
  • أنا واثق من أنك لن تموتي لأجل كلب مثله..
  • ابني ليس كلبًا، بل بطل، حُرٌ ضحى بحريته من أجل البلاد ومن أجلنا جميعًا. إذا أراد كل واحد منا أن ينأى بنفسه عن مقاومة المحتل بحجة أنه لا يمتلك أسلحة فتاكة ولأن مقاومته الفردية هزيلة لن تحرر أوطان ولن تطرد احتلال، فمن سيحمي البلاد إذن؟ ومن سيضع حدًا لهذا العدو المجرم المتغطرس الذي لا يتورع أن يرتكب جرائم بشعةبحق المدنيين المسالمين الذين تضغط على ابنك أن يكون أحدهم.. بالله عليك أخبرني هل كان محمد أبو خضير الطفل الذي خرج إلى صلاة الفجر يحمل رشاشًا حين اختطفوه وأحرقوه؟ وهل أطلقت عائلة الدوابشة صواريخًا حين أحرقوهم أحياءً داخل بيتهم؟ وهل كانت هديل الهشلمون تقذفهم بالقنابل حين أردوها شهيدة لدى عبورها من الحاجز؟؟ ورشا العويصي كذلك وغيرها كثيرون قتلهم الاحتلال وهم مسالمون تمامًا، وكان إثمهم الذي لا يغتفر أنهم فلسطينيون لا زالوا يعيشون على هذه الأرض.
  • ما شاء الله عنك.. فيلسوفه.. تتكلمين مثل محامي وتدافعين عن أخطاء وحيدك التي جرَّت أقدامه إلى السجن.. لو كان عنده عقل لذهب يعمل ويعمِّر بيته ليتزوج ويصبح لنا أحفاد.. ولكن ماذا أقول، ابنك باع نفسه وباعنا معه واشترى الوطن الذي باعه الكبار وتركوا الفقراء من أمثالنا ليتكبدوا الوبال وحدهم.. انظري إلى أبناء عمه، جميعهم يعملون في المستوطنة كبارًا وصغارًا، أجرة الواحد منهم في اليوم لا تقل عن 250 شيكل، انظري كيف عمَّروا بيت أهلهم.. أما ابنك فهو يعمِّر سجون الاحتلال.. والله إني أكاد أُجن منك ومن ابنك.. لو أنني تزوجت من امرأة أخرى غيرك في شبابي لأصبح لدي الآن العديد من الأبناء الذكور غيره الذين يملئون عليَّ البيت.. ولكن.. لا حول ولا قوة إلا بالله.. ما باليد حيلة الآن.
  • يا رجل.. اتق الله، هل تريد من ابنك أن يعمِّر المغتصبات للصهاينة مقابل فتات من المال؟؟ ابني يعمِّر بلاده ويعيش حرًا فيها بعد أن يطرد الأعداء منها.أنا لا أخاف عليه، فهو رجل، ولكن هو قلب الأم الذي لا يعرف الهدوء عندما يكون ولدها غائبًا عنها.. اللهم أعده لي سالمًا يا إلهي...