قائمة الموقع

​"الإدارة الحديدية".. الزوج "شرطي مرور"!

2019-01-12T09:00:00+02:00

داخل إحدى سيارات الأجرة في مدينة غزة، سأل شاب صديقه: "كيف تحكم بيتك؟" فأجاب: "بقبضة حديدية"، فعاد الشاب ليسأل صديقه: "ومع ذلك هل تعاني مشكلات زوجية؟"، فأجاب الصديق: "هذا يحدث باستمرار".

ربما يلخص هذا الحوار السريع بين صديقين طبيعة الحياة القائمة على مصطلح "الإدارة الحديدية"، التي يقصد بها قيام الحياة الزوجية على التدقيق والتحقيق والمحاسبة والمساءلة في أدقِّ تفاصيل هذه الحياة، لكون ذلك جزءًا من فراسة الرجل أو شدة انتباهه على كلِّ الأحداث الدقيقة التي قد تحدث في منزله سواء خلال وجوده أو غيابه عن المنزل، حتى يتحول الزوج إلى شرطي مرور وفق نظام صارم وعقوبات مغلظة ضد المخالفين.

ولطالما كانت صفة التغافل عن الأخطاء من الصفات النبيلة التي تغنى بها القدماء، التي يجب أن يتحلى بها المرء تجاه الآخرين، إذ يقول الشاعر أبو تمام الطائي: "لَيسَ الغَبيُّ بِسَيدٍ في قَومِهِ، لَكِن سَيِّدُ قَومِهِ المُتَغابي"، ويُقصد بالتغابي هو التغافل عن صغائر الأمور، فلا يجب أن نمنح جميع الأمور حجمًا أكبر منها، وهذا ما يعزز أهمية التغاضي.

وقد قال ابن حنبل: (تسـعة أعشارِ حُسنِ الخُلقِ في التغافلِ). ويقول: إن الجوزي (ما يزال التغافل عن الزلات من أرقى شيم الكرام، فإنَّ الناس مجبولون على الزلَّات والأخطاء، فإن اهتمَّ المرء بكلِّ زلة وخطيئة تعب وأتعب، والعاقل الذكي من لا يدقِّق في كل صغيرة وكبيرة، مع أهله، وأحبابه، وأصحابه، وجيرانه، وزملائه، كي تحلو مجالسته، وتصفو عشرته).

الفيلم الهوليودي (Bird Box) الذي أنتج عام 2018، يقدم فكرة التغاضي والتعامي، لكونها وسيلة للنجاة، إذ يهدد المواطنين خطر ضبابي يدفع معظم المجتمع إلى الانتحار الجماعي، وهذا الخطر لا يقع على الإنسان إلا من خلال مشاهدته مباشرة، لذا فكان الحل الذي اتخذه الناجون بإغماء أعينهم عن النظر بتعصيبها، والاستمرار بالحياة.

أخطاء هامشية

يقول شعيب (48 عامًا) وهو رب أسرة مكونة من 7 أفراد، والذي فضل عدم ذكر اسمه كاملًا لـ"فلسطين": إنه رجل نظامي يحب أن تبدو كلّ الأمور في منزله نظامية إلى أقصى حد، ما يلزم أن يكون لكل فعل خطأ عقاب يجب أن ينزل على المخطئ من أفراد أسرته.

وأوضح أنه دائمًا ما ينجرف نحو المشكلات الزوجية مع زوجته بسبب أخطائها، فتارة لم تكوِ قميصه جيِّدًا، وتارة نسيت تسخين له العشاء، وتارة أخرى غفلت عن وصل شاحن الكهرباء ببطارية الإضاءة الخاصة بالمنزل.

وأضاف شعيب: "هذه الأخطاء أتعامل معها بصرامة كبيرة تصل إلى إنزال عقاب على زوجتي يصل إلى حرمانها من الذهاب إلى منزل عائلتها بسبب ذلك، وفي معظم الأحيان أجد أن هذا العقاب يجعلها لا تنسى فعل ما أطلبه منها مرة أخرى".

في حين يرى الشاب عمار الشيخ (32 عامًا) ولديه أسرة مكونة من 4 أفراد، أنه كثيرًا ما يتغاضى عن الأحداث الصغيرة والأخطاء الدقيقة التي قد تحدث في منزله.

وقال الشيخ لـ"فلسطين": "إن الوقوع بالخطأ أمر وارد سواء للزوج أو الزوجة، وهذه الحالة متكررة لا يمكن لها أن تنتهي لأن الإنسان ليس معصومًا عن الخطأ، لذلك يجب علينا التغافل للمضي في هذه الحياة في وضع أكثر استقرارًا وطمأنينة".

وأوضح أن التعامي عن هوامش الأمور غالبًا ما يكون فعلًا ناجحًا لتجنب مشكلة قد تكبر كثيرًا لتصل إلى الطلاق، بما تحمله هذه الكلمة من تشتت وآثار جانبية ستطال كلّ أفراد الأسرة وخاصة الأطفال منهم.

عوامل تدميرية للأسرة

الاختصاصي الاجتماعي والنفسي إياد الشوربجي، يقول لصحيفة "فلسطين": "إن التدقيق والمحاسبة على الصغيرة والكبيرة تعد أحد أهم العوامل المدمرة لأي علاقة أو حياة زوجية"، مؤكدًا أن ذلك يسهم أساسًا في زيادة المشكلات الزوجية والأسرية بداعٍ أو دون داعٍ.

وأوضح الشوربجي أن تقمص الزوج شخصية شرطي المرور والوقوف على كل الأمور وكثرة مراجعاته وشدة انتباهه للتفاصيل الدقيقة، تجر الأسرة لمشكلات لا حصر لها.

وبيّن أنه في الأصل أن الحياة الزوجية والأسرة تقوم على أساس المودة والتسامح والتغاضي والتعامي في بعض الأحيان، خاصة إذا كانت الأحداث مثار الجدل طارئة أو مارقة وليست دائمة ومتكررة.

وأضاف الشوربجي: "من الطبيعي أن يفهم الزوج أن القصور موجود في معظم الزوجات وفي كل البشر سواء كانوا ذكورًا أو إناثًا، وهذا يطال الزواج أو العمل أو العلاقات الاجتماعية الأخرى، ولكن يجب أن يكون هناك تجاوز عن كثير من الأمور الصغيرة لبقاء العلاقة في حالتها الصحية".

ولفت النظر إلى ضرورة أن يُقدر الزوج أن الحياة الزوجية يشوبها اختلاف في وجهات النظر وفي فلسفة الإدارة في الحياة الأسرية، مشيرًا إلى أن الاختلاف يجب ألا يفسد للود قضية.

وتابع الشوربجي: "حدوث الأخطاء من الزوجة أو الزوج هذا لا يعني خروج الحياة عن وضعها الطبيعي، لأن الأخطاء واردة كما أسلفنا سابقًا، وهذا يتطلب أن يكون هناك تغافل، ولكن هذا التغافل لا يعني القبول بهذه الأخطاء وبتكرارها".

وأكمل الاختصاصي الاجتماعي والنفسي حديثه: "يمكن للزوج لفت انتباه زوجته على القصور والأخطاء التي تزعجه، باتباع أساليب غير مباشرة وهادئة دون الإساءة لها، ودون أن يتحول ذلك إلى مشكلة كبيرة، وهذا يدل على أن الزوج يقدر الحياة ويتجاوز عن الهفوات البسيطة".

اخبار ذات صلة