صعدت السلطة في رام الله ورئاستها من لهجة رفض "صفقة القرن" لصاحبتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مرارًا وتكرارًا، لكن إجراءاتها منذ قرابة سنتين تجاه قطاع غزة المحاصر، تظهر بما لا يدع مجالاً للشك عكس ما تقوله رئاسة السلطة تمامًا، كما يرى مصدر قيادي ومحلل سياسي.
واستهل ترامب تطبيق "صفقة القرن" بإعلان مدينة القدس المحتلة عاصمة لـ(إسرائيل) في 6 ديسمبر/ كانون أول 2017، وهو ما أثار سلسلة ردود فعل مناوئة محليًا وعالميًا لقراره.
وفي 14 مايو/ أيار من العام التالي، نقلت الإدارة الأمريكية سفارتها من (تل أبيب) إلى القدس، وفي ذات اليوم قتل جيش الاحتلال ما يزيد عن 60 مواطنًا من المشاركين في مسيرات العودة وكسر الحصار الممتدة منذ 30 مارس/ آذار 2018، قرب السياج الفاصل بين غزة والأراضي المحتلة سنة 1948.
وبدلاً من أن تخفف قيادة السلطة عن كاهل المواطنين بغزة، واصلت فرض إجراءاتها العقابية والتي تسببت بتداعيات خطيرة على الأوضاع الاقتصادية والإنسانية، كما يقول مراقبون.
خطوة للانفصال
وجدد عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عبد العلم دعنا؛ إدانته لأي إجراءات اتخذتها السلطة ضد غزة، سواء كانت قديمة أو جديدة والتي شملت قطع رواتب موظفين، وسحب عناصر العاملين من معبر رفح، جنوبًا.
وعدَّ دعنا في اتصال هاتفي مع "فلسطين"، سحب موظفي المعبر، خطوة من شأنها تأجيل تحقيق المصالحة الوطنية، وقد تشكل خطوة أولى للانفصال التام بين غزة والضفة الغربية.
وقال: إن السلطة "تسعى إلى التجاوب مع الأمريكان والإسرائيليين، وهي تدعي أنها ضد صفقة القرن لكن إجراءاتها تنافي ذلك تمامًا".
ونبَّه إلى إمكانية تشكيل تحالف فلسطيني ضد الإجراءات التي تحول دون تحقيق الوحدة الوطنية، وإدانة الانقسام الفلسطيني والطرف الذي يعمقه.
كما رفض دعنا دعوة رئيس السلطة لإجراء انتخابات، مؤخرًا، مؤكدًا أنه لا يمكن إجراء انتخابات قبل استعادة الوحدة الوطنية.
وكان عدد كبير من موظفي السلطة فوجئوا قبل أيام بعدم صرف رواتبهم عبر بنوك غزة، وأرجعت مصادر محلية السبب إلى انتمائهم فصائل فلسطينية ترفض النهج السياسي لرئيس السلطة محمود عباس.
مخططات سياسية
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي، عماد محسن: إن إجراءات السلطة الجديدة جاءت ضمن خطتها التي تنفذ على مراحل، ويبدو أنها وصلت إلى المرحلة الأخيرة خاصة مع تجفيف منابع الأموال كافة في القطاع، للضغط على حركة حماس.
وأضاف محسن لصحيفة "فلسطين": "باتت ظروف الناس الاقتصادية بغزة تقتصر على إبقائهم على قيد الحياة، وليس هناك أي وجه من وجوه الترفيه لحياة المواطن الفلسطيني".
واستدرك "الإجراءات نوع من العقاب الجماعي الذي يتعرض له الغزيون جميعًا، بهدف تركيع الشعب الفلسطيني بغزة من أجل تمرير مخططات سياسية"، مشيرًا إلى أنها لا تؤدي إلى وحدة وطنية ولا شراكة سياسية، ولا تعيد تصويب البوصلة تجاه مشروع وطني تحرري، وإنما تعمق الفرقة والانفصال التام بين غزة والضفة.
ونبَّه محسن أيضًا إلى قرار سحب موظفي السلطة من معبر رفح، وخطورة تداعيات ذلك على من هم بحاجة إلى السفر، من مرضى وطلبة وأصحاب الإقامات وغيرهم.
وبين أن سلوك السلطة يهدف للتضيق على السكان ظنًا منها أن ذلك سيؤدي إلى حراك مناوئ للاستقرار الحاصل بغزة، لكن أطياف المجتمع هنا تؤمن بأهمية ثبات الجبهة الداخلية وحفظ السلم الأهلي والسلام المجتمعي.
وكانت العاصمة المصرية احتضنت العديد من جولات المصالحة بين حركتي فتح وحماس بمشاركة الفصائل، ونتج عنها اتفاقات وقعت من جميع هؤلاء، لكنها لم تطبق كاملة بعد بسبب تعنت "فتح"، وسط دعوات فصائلية وأهلية بضرورة الالتزام ببنود الاتفاق الموقع بينهم في 2011.