شهد عام 2018 تطورًا متسارعًا غير مسبوق في العلاقات بين الاحتلال الإسرائيلي والعديد من الدول العربية، ولا سيما الخليجية منها، من خلال الزيارات السياسية والاقتصادية والرياضية المتبادلة التي أخذ الكثير منها طابعًا علنيًا.
التطبيع العربي الرسمي لم يكن الهدف الوحيد للاحتلال، حيث بات يحاول الوصول إلى المواطن العربي من خلال توظيف مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وإنشاء صفحات باسم الدول العربية.
واستخدم الاحتلال تلك الصفحات الموجهة للجمهور العربي عبر "فيسبوك" بشكل أساس، وسخرها في توصيل رؤيته السياسية، وخاصة في أوقات الأزمات، والأحداث العادية.
وعملت "الدبلوماسية الرقمية" للاحتلال من خلال تلك الصفحات، وفق رصد "فلسطين" عددا منها، على تقديم نفسها في صورة الصديق المحب للعرب، والمنفتح نحوهم إنسانياً، وثقافياً، واجتماعياً، والراغب في العيش معهم بسلام.
ورصدت "فلسطين" أبرز الصفحات الإسرائيلية الموجهة للعرب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها صفحات وزارة خارجية الاحتلال، المعروفة لدى مستخدمي المواقع، بأسماء "إسرائيل تتكلم بالعربية"، و"إسرائيل في مصر"، و"إسرائيل في الأردن".
وعلى المستوى الأمني، كانت صفحة المتحدث باسم جيش الاحتلال "أفيخاي أدرعي"، أحد أساليب الدعاية الإسرائيلية، وصفحة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، وصفحة "راديو وتليفزيون إسرائيل" (عربيل)، وصفحة الاقتصاد الإسرائيلي بالمصري.
مشاعر الاستسلام
تقول الباحثة في جامعة القاهرة المختصة في الشأن الإسرائيلي آلاء فوزي: إن الرقمية الإسرائيلية تسعى نحو التقرب من المواطن العربي، من خلال إبراز تقدم (إسرائيل) السياسي والاقتصادي والعسكري، وهو ما ينعكس في النهاية على ترسيخ مشاعر الاستسلام لدى العرب وعدم الرغبة في المواجهة أو الحرب مع (إسرائيل).
وأوضحت فوزي في حديثها لـ"فلسطين" أن "الصفحات الإسرائيلية استخدمت في طرق تقربها إلى الجمهور العربي بعض الرموز الثقافية البصرية العربية مثل صور المآذن والمساجد، وصلاة الجماعة الإسلامية، والهلال والفانوس".
وذكرت أن "الدبلوماسية الرقمية" للاحتلال استخدمت نفس دعاية الدول الغربية خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، حيث اعتمدت في خطاباتها على تشويه قادة حركة حماس وإيران.
وترى أن الاحتلال حرص على إبراز مظاهر المحبة والإخاء بين المواطنين العرب واليهود واحترام الطقوس الدينية الإسلامية والمسيحية، وتوضيح تقارب الذوق الشعبي لدى العرب والإسرائيليين.
وتوضح المختصة أن الصفحات الإسرائيلية الموجهة للعرب عبر موقع "فيسبوك" تعتمد في أغلب الأوقات على مصادر حكومية إسرائيلية في الحصول على المعلومات المنشورة بها.
ونبهت إلى أن هذا يعني أن الاحتلال يعتمد على كوادر خاصة ومدربة وفقاً لأهداف وإستراتيجيات معينة، في الخطاب المقدم للعرب عبر صفحات التواصل الاجتماعي.
تضليل وخداع
عضو اللجنة الوطنية لمقاطعة (إسرائيل) نصفت الخفش، يؤكد أن (إسرائيل) توظف عددا من الصفحات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، للوصول إلى المواطن العربي، بعد موجة التطبيع مع بعض الأنظمة العربية.
ويقول الخفش في حديثه لـ"فلسطين": إن "الاحتلال يستخدم هذه الصفحات لتبييض صورته، خاصة في ظل نجاح حملات المقاطعة التي تحاول دائماً وقف أي تطبيع إسرائيلي عربي".
ويوضح أن جهات رسمية إسرائيلية تقف وراء تلك الصفحات، كجهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الشاباك"، ووزارة الخارجية، من خلال توظيف كفاءات وأشخاص مؤهلين للوصول إلى العرب من خلال خطاب منظم ومدروس.
ويشير إلى أن تلك الصفحات تحاول استقطاب المواطن العربي وجره إلى معسكر الاحتلال، من خلال التضليل الذي تمارسه، ومحاولة السيطرة عليه، وتسخيره في خدمة مواقفها.
ويبين الخفش أن دولة الاحتلال تنفق ملايين الشواكل لتمويل تلك الصفحات المختلفة، لخداع متابعيها، من خلال تصوير أنهم أصحاب سلام، ويسعون إلى سلام اقتصادي، وإقامة علاقات تجارية وثقافية مع العرب.