مراسم جديدة مع إقبال عام جديد، يتواتر فيها الحضور في مقر الرئاسة برام الله، بحضور رئيس السلطة وحركة فتح محمود عباس ورئيس حكومته رامى الحمد الله، وعدد من أعضاء اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والمركزية لحركة فتح، لإيقاد شعلة الانطلاقة ال53 لحركة "فتح"؛ ذكرى حملت تاريخا طويلا من التضحيات لحركة وطنية طالما حققت إنجازات في الساحات الفلسطينية والعربية والدولية، إلى أن صعد رئيس السلطة محمود عباس إلى سدة الحكم، فبدا خلال سنوات حكمه غير مكترث بالكفاح المسلح وراغب أكثر في التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، وأدخل شعبنا في أسوأ حقبة من ضياع الحقوق، وزيادة التهويد واتساع المستوطنات، وتفاقم المعاناة في الضفة الغربية وقطاع غزة، والمغامرة في مفاوضات أضاعت سنوات طويلة من أعمار الأجيال ومن عمر القضية الوطنية وهو يلهث خلف السراب.
ليس هذا فحسب فقد قسم الوطن وكرس لحالة من الانفصال بعدما وضع كل العراقيل أمام تحقيق الوحدة الوطنية من خلال الاشتراطات المتكررة، فلم تسلم منه مؤسسات الدولة التي نالت نصيبها من الإقصاء والتهميش والتغول على شرعياتها، وحتى فتح التي يتباهى اليوم بإيقاد الشعلة لها وينطلق لسانه متوعداً تارة ومخوناً تارة ومستعرضاً للتحديات تارة أخرى، كان لها نصيب ليس بالقليل فقد أصبحت في مهب الريح بعدما لاحق قادتها ونحى آخرين وفرغ كل المحتوى الوطني والنضالي من ميراثها من خلال سياسة الاستسلام للاحتلال والتفرد بالقرار التنظيمي كما تفرد بالقرار الوطني، والتوجه نحو السلام المزعوم بعد أن أسقط البندقية من البرنامج الوطني وقضى على الوجود المسلح في صفوفها، ورهن تاريخها بنضالاته ومعاركه الوهمية, إذ لا رصيد يمكن أن يتذكره له هذا الشعب العظيم.
هذه صفة الزعامة وعقلية الدكتاتور الذي يسير إلى النهاية ولا ينظر للخلف وقد صم أذنه فلا يمكن أن يستمع لآلام وأهات وجراحات شعبنا ولا يمكن أن يرى الطريق المظلم الذي يسير إليه متخيلا أنه يسير بنا إلى طريق الرشاد، من يستمع له يصبح حائراً بين حديثه عن التحديات ورغبته في تحقيق الحلم الوطني وعزمه على مواصلة الطريق على خطى الشهداء والأبطال العظام، أمام شعلة متوهجة لعام جديد المفروض أنها تنقلنا لشعلة الانتفاضة والثورة، وتلهب الحماس لمواجهة جديدة مع الاحتلال وتكون انطلاقة نحو الوحدة الوطنية.
لكن مع تزاحم المشاعر لديه أمام من كانوا يستمعون إليه ومن تجمعوا بتكليف من الدوائر الرسمية من أتباعه اختار أقسى الألفاظ والمفردات ليتهم شعبه الأبي في قطاع غزة "بالجواسيس"، في اتهام لم يسبق لحاكم أن ألصق بشعبه تلك التهمة الشنيعة، أو حتى تجرأ على النطق بها سراً فما بالنا عندما يطلقها علانية.
إنها النهايات السوداء في تاريخ قيادات تعتبر نفسها وطنية وتوزع صكوكها على شعبنا على مقاسات المزاج وفى حدود الولاءات، لقد سخر شعبنا من الخطاب وهبط عباس في دركات بعيدة وأضاع فرصا جديدة للمصالحة مع شعبنا وفقد بوصلة التصحيح حتى وهو في الرمق الأخير من العمر بعد انسداد بل انهيار نظامه ومشروعه السياسي.
غزة لاتنتظر من يضعها في توصيفات الشرف والكرامة أو يوزع عليها أدوار الوطنية،ولم تكن تستجدي الاحتلال ولم تسلم أبناءها أو تلاحقهم، ولم يختف قادتها عن ساحات النضال والكفاح ضد المحتل، فلا تزال بنادقها مشرعة والعدو يحاذر أن يتقدم بضعة أمتار فيها، ولياليها مضيئةبلهيب صواريخ المقاومة، وجرحاها وشهداؤها هم عناوينها فأين عناوينك وأنت تنظر خلف نوافذ المقاطعة متوسلاً باتصالات سرية خشية أن تدخل القوات الصهيونية إلى القصر الرئاسي في مشهد من الخزي وقد انسحبت قواتك المهزومة.