فلسطين أون لاين

لك حساب في (السوشيال ميديا) أم لا؟

...
صورة تعبيرية
غزة - أسماء صرصور

نشرت منشورًا على صفحتي في (فيس بوك) أسأل فيه عن أشخاص شباب ما زالوا غير مقتنعين بإنشاء حسابات لهم في وسائل التواصل الاجتماعي، المنشور لاقى نوعين من التفاعل: النوع الأول دلني على ضالتي، والنوع الآخر قابل المنشور بالتهكم في التعليقات، كأن يقول: "ستي لا تملك حسابًا على (فيس بوك)"، وجدته بلغت من العمر عتيًا الآن، ما لا يدع مجالًا لها لاستخدام حتى الهاتف الخلوي من نوع الكشاف.

"فلسطين" في صفحتها "وجهة نظر" تناقش من لا يملك حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي، في مقابل من يداوم على استخدامها بانتظام، وتختم برأيي اختصاصي صحة نفسية، واختصاصي تسويق رقمي، والتفاصيل تتبع في سياق التقرير التالي:

غير مستخدمx مستخدم

محطتنا الأولى كانت مع ضياء الخفش (41 عامًا)، المقيم في كندا منذ ما يقارب 22 عامًا ويحمل جنسيتها، ومتزوج وأب لأربعة أطفال، يقول: "لا أملك أنا وزوجتي وأولادي أي حسابات في مواقع التواصل الاجتماعي".

ويبين أن الجو العام الفلسطيني المحاط بالاختراقات من الاحتلال أحد الأسباب التي تدفعه إلى عدم استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، فكل الاتصالات والعلاقات والمعارف حتى الأسرار يمكن أن يطلع عليها، مضيفًا: "وهناك أسرار وأمور عائلية لا يهمني معرفتها، مثلًا فلانة شو طبخت".

ويلفت الخفش إلى أن امتناعه عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لا يعني ابتعاده كليًّا عن استخدام التكنولوجيا، فهو يستخدم البريد الإلكتروني، وتطبيقات الاتصال، كـ(الواتس أب)، مثلًا، ليتواصل مع عائلته في قرية مادما، قضاء نابلس.

أما أبو إسماعيل السعدوني (30 عامًا، موظف حكومة) فهو لا يملك حسابًا في وسائل التواصل الاجتماعي لعدم اقتناعه بها، ورأيه أنها سبب لضياع وقته الثمين، وأن (فيس بوك) -مثلًا- أداة مجانية لنشر الأخبار الشخصية.

ويقول: "الناس أصبحت تعتمد في التواصل فيما بينها على هذه المواقع، وفقدوا تواصلهم الحقيقي على أرض الواقع"، مشيرًا إلى أن كثيرًا من الناس تمتلك حسابات فيها ولا تستخدمها استخدامًا صحيحًا، وألهتهم عن التبحر في الكتب والقراءة، وتلقي فنون العلم المختلفة.

وهناك –عزيزي القارئ- فئة أخرى تبتعد كليًّا عن استخدام كل ما يصنف جهازًا إلكترونيًّا حديثًا، وفي حالات الطوارئ القصوى يلجئون إلى استخدام الهاتف الخلوي الكشاف فقط، ويعود ابتعادهم القسري عن هذه التكنولوجيا الحديثة لأعمالهم الحساسة والخطرة، التي تتعلق بالمقاومة، ورغبتهم في الحفاظ على السرية المطلقة، وعدم تسرب أي معلومة مجانية تخدم الاحتلال في حربه معهم.

في المقابل، الناشطة الشبابية الصحفية كاري ثابت تستخدم (فيس بوك) لأنها ترى كثيرًا من الناس متعطشين إلى من يكتب عن حالهم، ويرون في الأخبار بريق أمل في إطار الواقع المعيش، مشيرة إلى أنه في العصر الحالي صعب أن يعيش الشخص دون مواقع التواصل الاجتماعي، لكن يمكن تخصيص أوقات محددة لا تتعارض مع الجدول اليومي.

ويؤكد لؤي الأغا (22 عامًا) مصور "شبكة فلسطين بوست" بغزة أنه يهتم بوسائل التواصل الاجتماعي، لإظهار حجم المعاناة التي تعيش فيها فئات مهمشة بالمجتمع، لتصل الصورة إلى "الكل الفلسطيني" والعالم أجمع.

ويلفت إلى أن (السوشيال ميديا) أصبحت شيئًا مهمًّا في حياة كل فرد غزي، وأكثر أهمية في حياة الصحفيين، مبينًا أنه يستخدمها في أوقات فراغه، وفي حال وجود أخبار مهمة أو متابعة تحتاج للتغطية المباشرة.

لا إفراط ولا تفريط

بدوره يقول الاختصاصي في الصحة النفسية والمجتمعية المحاضر في الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية أحمد حمد: "إن الأمر يتعلق بالدافع والحافز والرؤى، والانطباعات عن المجتمع الافتراضي".

ويبين حمد في حديثه إلى صحيفة "فلسطين" أن هذا التصور والانطباع هو الذي يترجم إلى سلوك؛ فهناك من الناس من هو غير مقتنع بمواقع التواصل؛ لأنه يعدها نوعًا من التزييف والرفاهية المترفة ومضيعة للوقت، فيحاربها لأنه يراها سلبية، وهذه الانطباعات تتعزز عنده بسبب المشاكل التي يراها في وسطه المحيط نتيجة هذه المواقع.

وفي السياق ذاته يتعلق الأمر –حسبما يذكر- بالمداومين على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، الذين لديهم رؤى وحوافز وانطباعات قوية عن مواقع التواصل، فأصبحت لديهم شريان الحياة، ويعلل ذلك بأنهم يتعرفون منها إلى ما يجري حولهم.

ويكمل: "المجتمع اليوم تحول من مجتمع ريفي إلى مجتمع حضري، فأصبحت العلاقات الإنسانية في الواقع علاقات رسمية، وهذا يفصل الناس عن المتابعات الاجتماعية؛ فبذلك تكون وسائل التواصل هي الأداة القوية لمتابعة المناسبات الاجتماعية"، منبهًا إلى أن كلا الطرفين (المنقطع والمداوم) لديه أسبابه وحوافزه.

ويستدرك حمد بقوله: "لكن نقول: لا إفراط ولا تفريط، وخير الأمور الوسط"، مشيرًا إلى أن اختصاصيي الصحة النفسية يقولون: "الشيء إذا زاد عن حده، ينقلب إلى ضده"، فإدمان مواقع التواصل الاجتماعي جعل أفراد الأسرة يعيشون في جزرٍ منفصلة داخل البيت، فتصبح مواقع الانفصال الاجتماعي لا التواصل، والشيء ذاته لغير المقتنعين، فهم يصبحون منفصلين ومنعزلين عن هذا الواقع، لا يعرفون ما يجري حولهم أبدًا، لأن مواقع التواصل هي المصدر الأول لكل ذلك.

ويلفت إلى أن فئة المدمنين تبدو في نسبتها الأكبر من الشباب؛ فهم موجودون دومًا في هذه المواقع، أما العازفون فهم في الغالب من المسنين، وهؤلاء لديهم مناعة ضد التغيير بسهولة؛ فقد تشبعوا من خبرات الحياة، وأصبحوا لا يستطيعون استقبال أي تغييرات أخرى.

ويبين حمد أن إحصائية حديثة كشفت أن أكثر المناطق العربية استخدامًا لـ(فيس بوك) هي غزة، والنسبة لدى الإناث أعلى منها لدى الذكور، وهذا يعود لطبيعة تقاليد المجتمع الفلسطيني التي تقلل من مساحة خروج المرأة في أي وقت، على عكس الرجل، فتجد الأنثى نفسها ساعات طويلة أمام هذه المواقع، أيضًا الميول النفسية للمرأة تعطيها صبرًا أكثر على إطالة الاستخدام وقراءة القصص ... إلخ، وهي تهتم بالتفاصيل أكثر بكثير من الرجل، وهذا ما يجعلها تستخدمها أكثر.

ويقول: "هناك فئة من الشباب لا تستخدم هذه المواقع لاعتبارات خاصة بها؛ كأن تتعلق بأعمالهم ومهامهم في المقاومة الفلسطينية، ورغبتهم في عدم إعطاء معلومات عسكرية للاحتلال تفشي أعمالهم"، لافتًا في الوقت ذاته إلى أنه يمكن استخدام هذه المواقع بقوة لمواجهة الاحتلال ومجابهته، ونصرة المقاومة.

عزوف عن التكنولوجيا

في السياق ذاته يبين المدرب في التسويق الإلكتروني محمد أبو كميل أن الفئة البعيدة عن مواقع التواصل الاجتماعي قليلة جدًّا، وهي فئة تعزف عن استخدام التكنولوجيا عامة، ولا تقتصر على كبار السن فقط، بل يمكن أن يكون هناك مجموعة من الشباب الذين لا يستخدمون التكنولوجيا لأسباب مختلفة.

وينفي أبو كميل في حديثه إلى صحيفة "فلسطين" أن "إضاعة الوقت" سبب مقنع لعدم استخدام مواقع التواصل الاجتماعي؛ لأن الناس تضيع وقتها في أشياء أخرى، لكن السبب الحقيقي –حسبما يرى- هو بعدهم عن الوسائل التكنولوجية، وربما عدم رغبتهم في التعلم من الصفر.

وأما فيما يتعلق بالأمور الخاصة ببعض الناس (الأمور الأمنية مثلًا) فيقول: "أنت حرٌّ بما تظهر وتخفي على (السوشيال ميديا)، وهذا أمر سهل ضبطه".

وبسؤاله: "هل الابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي أمر صحي في العصر التكنولوجي؟" يجيب: "أن تستخدم (السوشيال ميديا) يعني أنك متابع كل ما هو حولك، فمهما كان لها سلبيات؛ فهذه السلبيات موجودة في أي شيء آخر"، مشيرًا إلى أنه هو -مثلًا- يستخدم (السوشيال ميديا) في تحقيق الدخل، ولو استخدمت (السوشيال ميديا) في جمع الأخبار ومتابعة الأحداث فستكون شيئًا مفيدًا.

في المقابل، ينبه أبو كميل إلى أن بعيدًا عن (السوشيال ميديا) أداةً لنشر الخصوصيات -مثلًا- هناك أشخاص خارج إطار (السوشيال ميديا) أو داخلها لا يحافظون على خصوصياتهم، وإن كانت –على حد قوله- (السوشيال ميديا) تشجع الناس على انتهاك خصوصيتهم بأنفسهم، من باب المباهاة والمفاخرة، وهو ما قد يكون بوعي أو دون وعي من الشخص، حسب طبيعة المنصة، وما يراه من تفاعل الناس عليها.

ويشير إلى أن الاتجاه الآن نحو "المواطنة الرقمية"، فمن طريقها يعرف الشخص الحقوق التي له والواجبات التي عليه في هذه المنصات، مبينًا أنه يجب نشرها لما فيها من إفادة، وأنه من الضروري تنظيم الفعاليات التوعوية التي تساعد الناس على الاستخدام الصحيح للـ(سوشيال ميديا).