مع اقتراب نهاية كل عام تشرع المؤسسات المعنية بالقدس في إحصاء عدد المستوطنين المقتحمين للمسجد الأقصى المبارك ومقارنة الأعداد بالأعوام السابقة، وفي نتيجة حصادها تحذير من خطر الاقتحامات الممنهجة، لكن ذلك لا يلاقي التجاوب المطلوب فلسطينيا وعربيا وإسلاميا ودوليا.
وخلال أيام عام 2018 الماضي توالت الاقتحامات التي يقودها زعماء في اليمين الإسرائيلي المتطرف والكنيست وحتى وزراء، وتزامنت تلك مع ممارسات استفزازية للفلسطينيين الذين يتمنون مجرد الصلاة في مسجدهم والوصول إليه، كما تم اقتحام الأقصى من قبل قوات الاحتلال عدة مرات خلال العام الماضي والاعتداء على من فيه ناهيك عن إغلاق أبوابه لساعات أمام المصلين.
أرقام صادمة
جولات الاقتحام الصباحية والمسائية، سجلت عام 2018 اقتحام عشرات آلاف المستوطنين للمسجد الأقصى المبارك بحماية عناصر من شرطة الاحتلال، كما اقتحمه عناصر من المخابرات وجنود الاحتلال باللباس المدني وطلبة مدارس تلمودية بهدف الإمعان في ترسيخ الرواية المزيفة لإكمال السيطرة عليه.
ويقول الباحث في مركز عبد الله الحوراني للدراسات والتوثيق محمد الحروب: إن العام 2018 كان بمثابة الكابوس على المقدسيين؛ بحيث سجل رقما قياسيا في اقتحامات المسجد منذ عام 1967 وحتى الآن وذلك من حيث العدد ونوعية الاقتحامات.
ويوضح لـ"فلسطين" أن 34 ألف مستوطن اقتحموا المسجد الأقصى خلال عام 2018 بزيادة مقدارها سبعة آلاف عن العام الماضي، مبينا أن الاقتحامات اتسمت بالسماح والتسهيل لمجموعات كبيرة من المستوطنين باقتحام الأقصى في اليوم الواحد موزعة على فترتين الصباحية وما بعد صلاة الظهر.
ويشير الحروب إلى أن التسهيلات التي حظي بها المستوطنون شملت السماح للفتيات اليهوديات باقتحام المسجد باللباس التلمودي القديم، وترديد النشيد "تحيا إسرائيل دولة قوية"، إضافة إلى تسجيل انتهاكات من شرطة الاحتلال مثل اقتحام المسجد الأقصى، وهم يحملون زجاجات من الخمر الأمر الذي أثار غضب الفلسطينيين.
ويلفت الباحث إلى أن الانتهاكات لم تقتصر فقط على المسجد الأقصى المبارك رغم عظم ما مر به، وإنما طالت المواطنين المسيحيين مثل فرض الضرائب على العقارات والمؤسسات التابعة للكنائس في القدس والتي يبلغ عددها 860 عقارا، فرض عليها 190 مليون دولار من ضرائب خاصة "الأرنونا".
إبعاد متكرر
ولعل من أهم أسباب الحملة الشرسة وتكالب المستوطنين على المسجد الأقصى المبارك هو قرارات الإبعاد التي تصدر عن شرطة ومحاكم الاحتلال بالجملة بحق المرابطين والمرابطات وأيًا كان من رواد المسجد.
ويقول المقدسي المبعد عن الأقصى نظام أبو رموز لـ"فلسطين": إنه كان مبعدا عن المسجد لمدة ثلاثة أشهر وحين انتهت وفرح بدخول الأقصى والصلاة فيه أعادت شرطة الاحتلال اعتقاله من داخل الباحات وأبعدته عن المسجد لأسبوعين مع غرامة مالية، وذلك تزامنا مع اقتحام المستوطن المتطرف "يهودا غليك" للساحات.
ويصف أبو رموز العام الماضي بالكارثي على الأقصى ورواده، فخلال العام بأكمله لم يتمكن من دخول المسجد إلا لمدة ثلاثة أشهر فقط بسبب قرارات الإبعاد المتتالية، مبينا أن الأقصى أصبح فارغا بالمعنى الحرفي بسبب هذه السياسات من قرارات الإبعاد القسري.
ويضيف: "لدى الاحتلال سياسة ممنهجة في تكرار إبعاد المرابطين أو من يشكل تواجده في الأقصى عقبة أمام الاقتحامات، حيث يتكرر إبعاد الشخص عدة مرات بشكل متلاحق لعدة أشهر وتجديد ذلك عند أقرب فرصة، فأنا مثلا لا أستطيع إحصاء عدد أوامر الإبعاد بحقي منذ عدة سنوات بسبب كثرتها، فعام 2018 كان أصعب من السنوات الماضية من حيث أوامر الإبعاد والاقتحامات".
ويؤكد أبو رموز أن الأخطر من قرارات الإبعاد هو أوامر شرطة الاحتلال للمصلين بالخروج من المسجد إلى ما بعد انتهاء الاقتحامات، حيث يخبرون النساء والشيوخ بأن يعودوا إلى بيوتهم إلى ما بعد الساعة الواحدة حين تنتهي الاقتحامات وهذا الأمر خطير جدا، إضافة إلى إلهاء المقدسيين بالضرائب والمخالفات حتى يصبح الأقصى ليس أمرًا مهمًا لديهم وهي سياسة خبيثة تتصدى لها دعوات شد الرحال.