تغول استيطاني هو الأشد منذ 1967م شهدته الضفة الغربية في 2018م، كان خلاله "كنيست" وحكومة الاحتلال في سباق لسن تشريعات لمصادرة الأراضي الفلسطينية والاستيلاء عليها، وإقرار مخططات استيطانية لآلاف الوحدات السكنية، بلغت في مجملها 20 ألف وحدة، منها بدأ البناء فيها، ومنها لا يزال في طور المخططات.
ولاشك أن اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقدس المحتلة "عاصمة" للكيان العبري، وتبنيه سياساته مثّلا فرصة للكيان لتسريع عملياته الاستيطانية، ما رفع عدد المستوطنين في الضفة إلى قرابة ثلاثة أرباع المليون.
اشتدت الهجمة الاستيطانية مطلع 2018م، فصدق مركز تكتل حزب (ليكود) على مشروع قرار غير ملزم، يقضي برفع توصية بضم الضفة الغربية إلى الكيان، وسريان قوانينه كافة عليها.
وبعدها بيوم واحد فقط صدق "الكنيست" بالقراءتين الثانية والثالثة على ما يسمى قانون "القدس الموحدة"، الذي يمنع أي حكومة من التفاوض على أي جزء من القدس إلا بعد موافقة غالبية نيابية استثنائية لا تقل عن 80 عضوًا من أصل 120 (أي ثلثي أعضاء الكنيست).
وأفادت تقارير عبرية في 21 نيسان (إبريل) أن حكومة الاحتلال خصصت 417 مليون شيقل لتطوير الاستيطان في منطقة البحر الميت، لجذب المزيد من المستوطنين، وتهويد مناطق الأغوار.
أخطر "القوانين"
أخطر القوانين صدرت في 20 تموز (يوليو) 2018م، إذ صدق "كنيست" الاحتلال على ما يسمى قانون "القومية" بأغلبية 62 عضوًا، مقابلة معارضة 55 عضوًا، في حضور رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.
وينص القانون على أن "تنمية الاستيطان اليهودي" من "قيم" الاحتلال الإسرائيلي، الذي سيعمل على تشجيعه.
ويشرعن "القانون" الاستيطان بأي منطقة، على أن توفر حكومة الاحتلال الحماية لأي مجموعة من المستوطنين، ويهدد آلاف المنازل الفلسطينية بالهدم والتهجير.
وأفاد تقرير توثيقي، أصدره مركز أبحاث الأراضي التابع لجمعية الدراسات العربية في 13 أيلول (سبتمبر) الماضي؛ أن حجم التوسع الاستيطاني تضاعف أربع مرات، منذ توقيع اتفاق "أوسلو" بين منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال.
وحسب التقرير، زاد التوسع الاستيطاني من 144 مستوطنة قبل توقيع الاتفاق إلى 515 مستوطنة وبؤرة استيطانية حتى أيلول (سبتمبر) 2018م.
وتضاعف عدد المستوطنين أكثر من ثلاثة أضعاف، وارتفع من 252 ألف مستوطن قبل "أوسلو" إلى نحو 834 ألف مستوطن، وفق التقرير.
وأمام هذه الهجمة الاستيطانية الكبيرة صدق "كنيست" الاحتلال في 12 كانون الأول (ديسمبر) بأغلبية 94 مقابل 14، ضد قانون لإخلاء المستوطنات، قدّمه رئيس الكتلة البرلمانية للقائمة المشتركة النائب د. جمال زحالقة.
وفي 16 كانون الأول (ديسمبر) صدقت لجنة الاحتلال الوزارية للتشريع على مشروع قانون "التسوية 2"، الذي يقضي بشرعنة البؤر الاستيطانية ومشاريع استيطانية قائمة.
العام الأسوأ
رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان وليد عساف يقول: "إن 2018م كان العام الأسوأ في تعامل حكومة الاحتلال المتطرفة، فيه اتخذ الاحتلال قرارات ببناء وحدات استيطانية غير مسبوقة، وبدأ تنفيذ خطة التهجير القسري عندما أصدر قرارًا بهدم تجمع الخان الأحمر وقرى مجاورة أخرى، وبدأ تشكيل خريطة استيطانية كبرى بتقسيم الضفة الغربية إلى أجزاء و"كنتونات" معزولة".
وأضاف عساف لصحيفة "فلسطين": "إن الاحتلال بدأ سنة 2018م بإعلان بناء آلاف الوحدات الاستيطانية، وبدأ إقامة حواجز داخل مدن الضفة، وليس على أطرافها، في إطار تنفيذ خطة التهجير القسري والاستيطان".
وبين أن الاحتلال خلال 2018م أقر بناء ما يعادل 20 ألف وحدة استيطانية، لم تنفذ كلها على الأرض، إذ توزعت على ثلاثة أقسام: جزء منها وصل إلى مرحلة العطاءات، وجزء منها أقرت مخططات، وجزء أعلنت دون التصديق عليها ودون بدء التخطيط لها.
وذكر عساف أن أخطر عمليات الاستيطان في 2018م كانت في مدينة القدس المحتلة، حيث سعى الاحتلال إلى بناء "الغلاف الخارجي" للقدس، لعزلها عن باقي المدن الفلسطينية، واستكمال مخطط "القدس الكبرى" الذي أقرته حكومة الاحتلال نهاية 2017م، لتصبح مساحة القدس المحتلة نحو 260 كيلومترًا مربعة.
ولفت إلى أن الاحتلال يعمل على عزل القرى الفلسطينية في محيط القدس عن المدينة، وضم نحو 23 مستوطنة إلى نطاق بلدية الاحتلال بالقدس جنوبًا، كمستوطنة "معاليه وكفار أدوميم"، ومستوطنات "جفعات زئيف" شمالًا، وهذه المنطقة تمتد إلى بلدة بيتونيا في رام الله، وتضيف نحو 170 ألف مستوطن، وتهجر 140 ألف فلسطيني من سكان منطقتي كفار عقب ومخيم "شعفاط"، وتغير المعادلة الديمغرافية بالقدس لخفض عدد الفلسطينيين من 42% إلى 22% داخل نطاق بلدية الاحتلال في القدس.
وبشأن عمليات الهدم نبه عساف إلى أن الاحتلال هدم خلال 2018م 450 منزلًا فلسطينيًّا، كان الجزء الأكبر منها بمدينة القدس، حيث هدم أكثر من 36 منزلًا، ثم الأغوار ومناطق الخط الأخضر، والمناطق الفاصلة بين التجمعات البدوية.
وحذر من أن الاحتلال يستغل الانقسام الفلسطيني وحالة التراجع العربي، لإنهاء القضية الفلسطينية، وحسم ملفات القدس والأراضي واللاجئين والمناطق المصنفة "ج" من طرف واحد.
من جانبه ذكر مدير دائرة الخرائط ونظم المعلومات الجغرافية ببيت الشرق في القدس المحتلة خليل التفكجي أن أمريكاأطلقت العنان للاحتلال، لتنفيذ كل المشاريع الاستيطانية.
وقال التفكجي لصحيفة "فلسطين": "الاحتلال بنى ثلاثة آلاف وحدة استيطانية جديدة شرق القدس، ووسع المستوطنات القديمة، واستولى على كل ما هو تحت وفوق الأرض في المدينة المحتلة، التي يسيطر على 87% من مساحتها، ولا يزال يفكر في كيفية السيطرة على النسبة المتبقية وطرد الفلسطينيين".
ونبه إلى أن الاحتلال ماض في تنفيذ مخطط "القدس الكبرى" التي تعادل مساحتها 10% من مساحة الضفة الغربية، ويندرج في إطار ذلك إقامة السكك الحديدية، والفصل بين الضفة والقدس بجدار الفصل العنصري.
وأكمل التفكجي: "إن مساحة نطاق سيطرة بلدية الاحتلال في القدس تبلغ 126 كيلومترًا مربعة، وإن عدد المستوطنين بالقدس يبلغ 220 ألف مستوطن، وهجر 150 ألف فلسطيني، ليصبح عدد الفلسطينيين هناك بعد طرد سكان منطقتي كفر عقب ومخيم شعفاط 170 ألف فلسطيني، ولا تزال مخططات التهجير والطرد مستمرة".