في فلسطين يتسابق الشبان على الشهادة لحماية وطن واستعادته من سالبيه، ويتنافس فيها الشرفاء على استرجاع قدسهم الإسلامية من مغتصبيها، فيبدعون التحدي ويرسمون لوحة في الإصرار والعطاء لم توجد في بلد في العالم إلا وتحرر من مستعمريه.
ولعل تاريخ فلسطين الطويل مع الاحتلال الإسرائيلي كان وما زال منبعاً للتضحيات، ولكن البعض حوّل هذه التضحيات إلى "جريمة" بتصريحات عبثية تصف الشهداء بأنهم قتلة وأنهم يسعون إلى نشر الفوضى في الضفة المحتلة التي ينهشها الاستيطان والجدار العنصري والثكنات العسكرية واعتداءات المستوطنين والحواجز المذلة.
وكان رئيس السلطة محمود عباس وصف في تصريحات له في 22 ديسمبر، الشهداء الفلسطينيين بالقتلة، وقال: إن حماس "يبعثون إلينا من يقتلنا هنا ويثيرون الفوضى هنا" (في إشارة للعمليات الأخيرة ضد الاحتلال في الضفة الغربية المحتلة).
وأضاف: إن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو "يأخذ شخصيًّا النقود ويقدمها لحماس، ويحولها هنا إلى سلاح ومعدات وأموال" (في إشارة للمنحة القطرية للوقود ولرواتب موظفي الحكومة بغزة).
إساءة غير مقبولة
أهالي الشهداء الفلسطينيين الذين قدموا أبناءهم، أغلى ما يملكون، فداءً لوطنهم، اعتبروا تصريحات عباس مثيرة للاستفزاز بحق أبنائهم، فهم في كل يوم يحترقون بألم وشوق لمن رحلوا فدائيين، ولكن عزاءهم أن أعمالهم المقاومة بقيت وسام فخر لهم إلى الأبد.
ويقول عم الشهيد لقمان أبو قرع من قرية المزرعة الغربية شمال رام الله لـ"فلسطين": الشهداء مفخرة فلسطين وهم الذين يرسمون الطريق للحرية والاستقلال والتخلص من ظلم الاحتلال، فلا يعقل أن نتخلى عن رأس حربتنا".
وأضاف أن أهالي الشهداء لا يقبلون من يساوم الاحتلال على دماء الشهداء، فطريقهم لا يخوض فيه إلا من يستحق الوطن، مبينًا أن مثل تلك التصريحات تؤذي مشاعر أهاليهم الذين صبروا على فراقهم ويفتخرون كل يوم بفعال أبنائهم.
بدوره يقول والد الشهيدين عدي ودانية ارشيد لـ"فلسطين": "يؤلمنا أن يخرج من أبناء جلدتنا من يهاجم أو يحاصر أو يضيق على المقاومة والشرفاء وأحرار الوطن الذين يردعون المستوطنين والجنود ويلقنونهم درسًا وينتقمون ممن قتل أبناءنا ونساءنا وأجدادنا ورحلوهم قسرًا".
وأضاف: "الأحرى بمن يريد التقرب من الاحتلال والأمريكان أن يعيد التفكير في سياساته الفاشلة لا أن يتخذ من شتم الشهداء وأهاليهم جسرًا للوصول إلى الأعداء والارتماء في أحضانهم".
وأكد والد الشهيدين أن أهالي الشهداء يطالبون باعتذار رسمي عن تلك التصريحات التي تسيء لفكرة الشهادة والمقاومة وهي الفطرة التي نشأ عليها الفلسطينيون بسبب احتلال يدمر حياتهم وأيامهم ويستولي على حقوقهم ومواردهم.
استهداف واضح
وبينما يعيش أهالي الشهداء حالة من الاعتزاز بصنيع أبنائهم ويبقى بعضهم وحيدا وبعيدا عن أي اهتمام رسمي بالضفة، تخرج مثل تلك التصريحات لتزيد شعورهم بالتخلي عنهم من قبل المستوى الرسمي بدلاً من دعمهم وإسنادهم كما في كل دول العالم، ما يفتح الباب للتساؤلات حول أهداف التصريحات وتوقيتها.
وقال والد الشهيد عبد المحسن حسونة لـ"فلسطين": "نتفاجأ ونُصدم في كل يوم من حالة التهميش والتشويه لثقافة النضال والمقاومة من خلال بعض المنتفعين الذين لم يعد لهم سبيل للبقاء في مواقعهم إلا للتخلي عن المقاومة والشهداء والكرامة بل ومهاجمتهم".
ورأى أن تكرار مثل تلك التصريحات يهدف إلى خلق جيل جاهل بحقوقه ومساوم يقبل الذل ويرفض العيش بكرامة، كما أنها تمس عقيدة الفلسطينيين التي بنيت على أساس الشهادة وتكريم الشهداء الذين يدافعون عن وطنهم، مبينًا أن توقيت هذه التصريحات في ظل تزايد اعتداءات وجرائم الاحتلال التي كانت آخرها جريمة إعدام الشاب المقدسي قاسم العباسي بدم بارد؛ تبين مدى الحالة المزرية التي وصل إليها حال البعض في تقديس الاحتلال وأفعاله.
وبينما تعيش عائلة البرغوثي بين اعتداءات يومية واستمرار اعتقال والد الشهيد صالح البرغوثي بعد إعدامه بدم بارد ونجله عاصف والتهديدات بهدم منزلها والتنكيل بأفراد العائلة؛ لم تخطُ قدم مسؤول واحد منازلهم، بل على العكس من ذلك خرج رئيس هرم السلطة ليصف أبناءها بالقتلة، وصف لا يليق إلا باحتلال جاثم على أرض فلسطين.