قائمة الموقع

محمد نصار.. بعد آخر نبضة صنع أول قلب

2018-12-31T14:43:00+02:00

لعل تلك الزفرات الأخيرة المتبوعة بعويلٍ تتقطع لها أقسى القلوب كانت البداية، بل هي حقاً بداية حكاية "صناعة أول قلب" في فلسطين من داخل هذه المدينة المحاصرة "غزة".

في التفاصيل، يتجهز جراح القلب والأوعية الدموية محمد نصار لإجراء عمليةٍ طارئة لمريض مصاب بجلطة قلبية حادة.. يغسل ساعديه حتى الكوع بالمطهر ويرتدي قفازاته والكمامة، ينظر بتفحّصٍ إلى كل حيثيات التقرير الطبي للحالة التي كانت تترنح بين حياةٍ وموت وإن بدا أنها كانت إلى الأخير أقرب.

دون أمل كبير هذه المرة، دخل غرفة العمليات؛ الهدوء سيد الموقف إلا من "طرقعات" أدوات الجراحة وأنين جهاز تخطيط القلب وهمسات دعوات الأهل المتسللة عنوة من تحت الباب.

التفت عقارب الساعة تسع مرات، قبل أن يتحطم حاجز الصمت.. "سيمفونية" جهاز تخطيط القلب راحت تنحرف عن مسارها والمؤشر الأحمر بدأ يتراجع باضطراب: سبعون ستون أربعون.. نصار يصرخ بتوتر على الفريق المساعد لإجراء تنفس صناعي مستعجل.. المحاولة الأولى تفشل وكذلك الثانية والثالثة "تيت تـيـت تيتييت".

خرج الدكتور محمد يجر قدميه على الأرض جراً؛ قاصدا من كان يترقب سماع خبر سار.. وما كاد يطل برأسه من الباب حتى أمطرته الأسئلة: "طمنا يا دكتور..شو في احكي؟".. بعد دقيقة صمت أجابهم بصوتٍ متحشرجٍ خافت "البقاء لله".

لم تكن تلك الحالة "الضحية الوحيدة" لفقر قطاع الصحة في غزة لجهاز قلبٍ صناعي مؤقت مهمته مساعدة الأطباء في إجراء عمليات جراحية معقدة قد تستمر لأكثر من 12 ساعة، بل هي واحدةٌ من بين مئات ضحايا الحصار.

ولكن الفرق الوحيد بين هذه الحالة وغيرها هو أنها كانت الحجر الأساسي لفكرة راودت أحلام نصار طويلاً، إلى أن تمكن أخيراً من تحقيقها عبر صناعة أول أنموذجٍ لقلب صناعي في غزة برفقة المهندس الميكانيكي د.محمد أبو هيبة، رغم كل ما واجهه من معيقات في محاولاته الأولى.

من هو الدكتور محمد نصار؟ وكيف تجاوز سيل الإحباطات؟، الأجوبة تقرؤونها في خلاصة حوار معمق متعدد الجوانب، أجراه مراسل "فلسطين أون لاين" مع رجل سيبدو عاديا _كحال مكتبه في مجمع الشفاء الطبي_ إن لم تغص في أعماقه وتُشرّح حياته بأسئلة دقيقة.

الميراث

قبل 55 عاما ولد ضيفنا في مدينة سبها جنوب ليبيا وسط عائلة فلسطينية الأصل أخبر ولي أمرها (إبراهيم) أولاده الستة أنهم لن يرثوا منه بعد مماته لا أرضاً ولا ومالاً ولا منصباً، إنما العلم وحده.

ومن صبا الطفولة يبدأ كلامه الذي اتسم بالسلاسة: "علمني أبي أن الحياة تستقيم بأمرين لا ثالث لهما، الدين والعلم، فتفوقت في جميع المراحل التأسيسية والثانوية، مستفيداً من دعم والدي كونه عمل أستاذا للغة العربية والتربية الإسلامية لقرابة 32 عاما في المدارس الليبية".

حياة عائلة نصار لم تمض على ما يرام في بلاد الغربة، مضيفاً: "أحيانا كانت أصابع الاتهام توجه لنا بزعم أن الفلسطينيين تركوا بلادهم طواعية، ولكن كنا نؤكد أن تحرير الأرض عملية متكاملة، فالذي عجز عن رفع السلاح لن يتوانى عن حمل القلم".

ويستشهد على صحة قوله الأخير بالإشارة إلى أن لقب "الأول" لازمه طوال فترة دراسته إلى أن وصل المرحلة الثانوية (التوجيهي) وحصد حينها درجة الامتياز.

"وهل كنت تخطط لدراسة الطب"؟ يجيب نصار: "في السنوات الدراسية الأولى كان حلم الهندسة يراودني، فحب اكتشاف طرق عمل الآلات والبعبشة "البحث" في مكوناتها كان يسيطر عليّ، ولكن سرعان ما تغير الحال".

عندما كان محمد نصار يدرس في الإعدادية كان ابن عمه "محمد حسن نصار" يزور عائلته بين حينٍ وآخر، مصطحباً معه "حقيبة الطوارئ" كونه يعمل طبيباً عاماً في أحد المشافي، عندئذ كان يتاح لـ"محمد الطفل" فرصة تقمص دور الدكتور وارتداء الروب الأبيض بعدما يتسلل خفية نحو الحقيبة.

ومع تشجيع عائلة نصار لابنها الأكبر على دراسة الطب وحلم الأب بأن يخرج من بين أصلاب العائلة محمد آخر يرتدي ثوب "ملاك الرحمة"، قرر محمد دراسة أنبل المهن بعيداً عن عائلته، التي خرجت لاحقا من ليبيا نحو قطاع غزة بعد تأسيس السلطة الفلسطينية.

عصفوران بحجر

في أواخر عام 1980 سافر نصار إلى إسبانيا للتسجيل في إحدى كليات العلوم الطبية ليجد أن القوانين التعليمية الإسبانية تشترط على الطالب الجديد دراسة اللغة الأم وبعض المواد العلمية كالرياضيات والفيزياء على مدار عامين قبل التسجيل في الجامعة، فماذا فعل الطالب المغترب حينها؟.

رفض نصار أن يتوجه نحو معهد محلي للتحضير لامتحان القبول _كما يفعل غالبية الطلبة الجدد_ بل سخر ذلك الشرط في الاغتراف غرفةً من حلمه الأصغر عبر التسجيل في كلية الهندسة الإلكترونية بجامعة ."Santander"

ويعلق على ذلك: "وجدت أن دراسة الهندسة أفضل من التسجيل في المعهد، فالاثنان يجهزانني لامتحان القبول الجامعي ولكن الخيار الأول ينسجم أكثر مع طموحات الطفولة، فسجلت في كلية الهندسة (دبلوم متوسط) وأنجزت دراسة عامين من أصل ثلاثة".

وبعدما قضى نصار ثلاث سنوات في بلاد الأندلس واجتاز بنجاح امتحان القبول لدراسة الطب العام في جامعة بطليوس، حانت فرصته لإتمام أولى الخطى نحو تحقيق حلمه الذي قرر الاغتراب من أجله.

فرحةٌ ثم انكسار

أتم محمد العام الأول في كلية الطب، ولكن فرحته بالنجاح سرعان ما تبددت إلى شعور بـ"الانكسار"، عندما رفضت الجامعة اعتماد درجات امتحاناته النهائية؛ بسبب وقوعه في خلل أثناء التسجيل في الجامعة منذ البداية، وعلى إثر ذلك ذهبت متاعب السنة الأولى أدراج الرياح.

قاطعته بسؤال قد يرد إلى ذهن أي منكم: "وماذا فعلت حينها" فكان الجواب "تذكرت مقولة سمعتها في صغري أن عمر الإنسان لا يقاس بالسنوات إنما بمدى الإنجازات التي يحققها، فاستجمعت أحلامي المبعثرة واستكملت طريقي إلى أن حصلت على درجة البكالوريوس عام 1990.

بالطبع، لم تمض السنوات العشر الأولى في إسبانيا دون معايشة مواقف لن تمحى من سجل ذاكرته، وحول ذلك يتابع حديثه: "عندما كنت خارجا ذات صباح إلى محاضرة لتعلم اللغة وجدت أن الجنود منتشرون في الشوارع، وكان المواطنون يرددون كلمة" golpe de estado" دون أن أفهم معناها.

وبعد ابتسامة ظهرت على محياه، يزيد "عندما وصلت إلى المعهد سألت عن المعنى فاتضح أنها تعني "انقلاب"، فحدثت نفسي حينها "يا إلهي.. القتل لحقني من ليبيا إلى هنا..أي نحسٍ هذا؟"، ولكن بسبب ذلك الموقف قطعتُ على نفسي عهداً أن أنجز تعلم الإسبانية في غضون ستة أشهر تفاديا لحدوث إشكاليات قد لا تحمد عقباها في المرات القادمة".

ويا ليت الحال توقف عند "النحس" بل وصل إلى حد تهديد المسيرة التعليمية لنصار بأكملها، ففي عام 1986 شنت الولايات الأمريكية عملية عسكرية ضد ليبيا وفرضت عقوبات اقتصادية، مما جعل من تحويل الأموال إلى الطلبة المغتربين مهمة بالغة التعقيد.

وأمام عجز (إبراهيم) الأب عن تزويد ابنه الأكبر بالأموال اللازمة لاستكمال دراسته، اضطر الأخير إلى العمل في محل لبيع المشروبات بأنواعها مقابل توفير مكان للمبيت وراتب شهري محدود، وكذلك قسم يومه بين الدوام الجامعي من الساعة السابعة صباحا حتى الثانية وبين العمل من الساعة الرابعة مساء حتى الثانية فجرا.

النصيحة "الثلاثية"

"أنت بدون هوية لا يحق لك التقدم لامتحان".. كان ذلك رد المرشد المختص بعدما ذهب إليه محمد ليستفسر عن سبب وجود إشارة بارزة عند اسمه في كشف الناجحين في امتحان اختيار التخصص الطبي.

ويوضح "بعدما أنهيت دراسة البكالوريوس سجلت في امتحانات اختيار التخصص عام 1991، وحصدت الترتيب 1407 من وسط 12 ألف متقدم، إلا أن النتيجة لم تُعتمد كوني فلسطينيا ودولتي غير معترف بها".

رفض نصار أن يستسلم لتلك العقبة الجديدة فتوجه للتدريب الجامعي في أقسام الجراحة على مسؤوليته الخاصة، وخلال تلك الفترة اطلعت ممرضة أرجنتينية الجنسية يهودية الديانة على مشكلته فتكفلت بحلها.

"ولماذا توجهت إلى "القلب"؟ بسرعة جاءت إجابته كأنه يتوقع سؤالي: "أثناء الدراسة الجامعية حصرت خياراتي في تخصصين؛ إما جراحة القلب أو العظام، فالاثنان شكلا لدي حالة من الفضول العلمي، كون أن المحاضرات زودتنا بنبذة مختصرة عن التخصصين دون تعمق كافٍ بهما.

ويضيف: "الترتيب الذي حصلت عليه في امتحان التخصص، صنفني تلقائيا في خانة تخصص جراحة القلب، وفضلاً عن ذلك أنه خلال المرحلة الثانوية كنت أعتكف لساعات أمام شاشات التلفاز لمشاهدة عمليات القلب، التي كانت تبث مباشرة بعد افتتاح أول قسم لجراحة القلب في ليبيا عام 1979، فوجدت نفسي أميل نحو تخصص القلب خلافا لباقي التخصصات".

ولا ينسى أبداً ما قاله أحد أساتذته في كلية الطب حينما رأى شغف تلميذه اللامحدود: "يا محمد إن الذي ستعايشه في الأيام المقبلة سيختلف كلياً عن الذي رأيته مسبقاً".

بل إن ذلك الأستاذ الجامعي قدم له "نصيحة العمر" حين قال بأسلوب الخبير بمجاله: "عليكَ أن تعلم أن الجرَّاح الماهر لا بد له من ثلاثة مقومات أساسية -head, hand, heart- أي يد متمكنة، وعقل يقظ، وقلب قوي".

فهل امتلك ذلك الطالب النجيب المقومات الثلاثة؟ وهل أصبح حقا جراحا ماهرا يشار إليه بالبنان؟ الأجوبة تتبع في التفاصيل، بعدما قطعنا "زخم الحديث" برشفات من فنجان قهوة؛ وقطعة حلوى تناولناها بمناسبة خبرٍ جميل ورده أثناء المقابلة؛ وهو أنه رُزق بمولودةٍ جديدة.

امتنان لـ ..؟

بعد إلحاح نصار على أستاذه برغبته بخوض مجال العمليات الجراحية مبكراً، سمح له بالدخول لمتابعة مجريات إحدى عمليات القلب كـ "متفرج عن بعد"، قبل أن يخرج من الغرفة فاقداً للوعي.

نوبةٌ من الضحك أصابت الفريق الطبي لما حلَّ بـ"الفضولي"؛ ولكنهم سرعان ما طمأنوا نصار من أن الذي حدث معه أمر عادي وأنه ما زال يمتلك المقومات الثلاثة.

بعد ثلاثة أشهر من المشاهدة الأولى أعاد نصار المحاولة ثانية وسمح له أخيرا بالمشاركة الفعلية، ولكن عبر وضع كلتا يديه على جسد المريض طوال فترة العملية فقط ولأكثر من تسع ساعات متواصلة.

وما بين التجارب الفاشلة والناجحة وحب الفضول العلمي قضى نصار خمس سنوات في دراسة التخصص "جراحة والقلب والأوعية الدموية" إلى أن عمل في مستشفى خاص حتى نهاية عام 2000 وبعد ذلك انتقل للعمل في مجمع طبي بجزر الكناري.

وبابتسامةٍ وفيةٍ صافية، يبدي امتنانه العميق لطبيبٍ يهودي الأصل كان قد قطع على نفسه عهداً بأن يُسخر وقته كي يجعل من "ضيفنا" جراحا ماهرا.

وخلال عمل نصار راح يجهز نفسه لحصد درجة الماجستير حتى نالها عام 2005 وبعد ذلك بعامين نال الدكتوراة، الأمر الذي ساعده على العمل كأستاذ مساعد في جامعة "لالاجونا"، وخوض التجربة الأكاديمية الأولى.

وفي 2010 سجل الدكتور نجاحاً عبر حصوله على الماجستير الثاني في الإدارة الطبية واعتماده رسميا في الكادر التدريسي بعد منحه درجة البروفيسور وهو في أواخر عقده الخامس، قبل أن يتولى رئاسة قسم جراحة في المستشفى الجامعي حتى حلول موعد العودة إلى أرض الوطن "غزة" بعد نحو 32 عاما من الفراق.

رد الدين إلى أهله

في منتصف عام 2013 حطت رحال ضيفنا، الحاصل على الجنسية الإسبانية، في قطاع غزة للمرة الثانية، فلقد سبقها زيارة عائلية أولى 2005 استمرت لـ14 يوما حينها استقبله جنود الاحتلال بـ"حفاوة".

يقول نصار "بعد وصولي إلى حاجز بيت حانون، شمال القطاع، اضطررت للانتظار قرابة 12 ساعة قبل أن يسمح لي بالدخول، وما كدت أقطع عدة أمتار بعيدا عن بوابة المعبر حتى تعرضت لوابل من إطلاق النار بسبب وقوفي في منطقة محظورة أمنية، دون أن أعرف ذلك".

قاطعت حديث نصار عن تفاصيل زيارته الأولى، التي صلى خلالها في المسجد الأقصى ووقف على أطلال قريته بيت دراس، لأبادره بسؤال جديد حول كيفية اتخاذه قرار العودة والتنازل عن مغريات المعيشة في إسبانيا؟.

يجيب: "لا شك أن الحياة في الخارج كانت مختلفة تماماً، كل الإمكانيات والمقدرات مسخرة لخدمتك في حياتك العملية والعلمية، على العكس الحاصل هنا في غزة، ورغم ذلك اتخذت قرار العودة هكذا بعدما استشعرت أهمية رد الدين لأهل بلدي".

استلم نصار فور عودته رئاسة قسم جراحة القلب في المستشفى الأوروبي، وبعد أسبوعين من إعادة تشغيله للقسم نفذ أول عملية جراحية لطفلة كادت أن تكون إحدى ضحايا الحصار.

وفي مطلع عام 2015 كُلف ضيفنا بإدارة قسم الجراحة في مجمع الشفاء الطبي، موضحاً أنه خلال فترة عمل القسمين تمكنت الطواقم الطبية من تفريغ قائمة العمليات المنتظرة، بينما تقلصت نسبة الوفيات لنحو 3% كأقل نسبة على مستوى الدول المجاورة.

القلب الصناعي.. حقيقة أم خيال؟

وعن تجربة الطب يتحدث نصار بحسه الإنساني العالي: "جراحة القلب تأخذك إلى صناديق سرية وتدفعك للتفكر دوما بعظمة خالق تلك المُضغة، وفي غزة تقضي يومك في صراع دائم بين الحياة والموت، فهل لك أن تتخيل مشهد انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من 20 دقيقة أثناء تنفيذك لعملية جراحية؟.

ولم يفت نصار أن يؤكد ضرورة تخلص القطاع الصحي في غزة من كل تبعات الانقسام السياسي الفلسطيني، ومحاولة استقطاب القدرات الفلسطينية المغتربة، بجانب العمل على تعزيز ثقة المواطن العادي بالكفاءات الطبية المحلية.

ولما سألناه عن إمكانية العودة إلى إسبانيا، أجاب "أؤمن بمبدأ عدم حرق السفن والعروض الإيجابية ما زالت تصل، ولكن الأمانة التي حملتها هنا كبيرة، وقبل كل هذا لغزة الفضل بوضع أقدامي على طريق تحقيق حلم التتويج بجائزة نوبل للطب".

"وما علاقة غزة بطموح التتويج بجائزة نوبل؟" سألته بعد مقاطعته مجددا فقال: "لو بقيت في إسبانيا هل تتوقع أني سأفكر بصناعة قلب، بالطبع لا، ولكن عندما تلمست حجم المعاناة الناتجة عن غياب ذلك الجهاز داخل القطاع، بدأت أفكر في صناعته محليا، لعله ينقذ حياة مئات بل آلاف المرضى ويقربني أكثر من حلم التتويج بالجائزة".

"إحباط المُحبِطين ملح حياتك" يعلق نصار بتلك العبارة على سيل الإحباطات "المتوقعة" التي اصطدم بها عندما كان يبحث عن شريك يساعده على إخراج فكرة صناعة قلب صناعي إلى النور قبل أن يتعرف على الدكتور محمد أبو هيبة، مؤكدا أن "الإرادة تكسر كل مستحيل".

ويقول نصار: "عرضت الفكرة على المهندس أبو هيبة، فتشجع على تنفيذها بعدما درسها بتعمق، وبالفعل قطعنا معا نحو عام كامل في عمليات التحضير والتنفيذ، قبل أن نعلن عن النموذج الأول للجهاز خلال ورشة جانبية حملت عنوان "القلب الصناعي في غزة.. حقيقة أم خيال؟".

وأجرى الطبيب الجراح والمهندس الميكانيكي تجربة زراعة القلب الصناعي داخل جسد خروف بعد تنفيذ جلطة قلبية له داخل غرفة عمليات متكاملة، وعندئذ أثبت الجهاز فاعليته بنسبة 80% حيث كانت جميع العمليات الحيوية تسير بشكل طبيعي.

"ومتى سيدخل ذلك الجهاز طور الخدمة"، يجيب نصار: "يخضع النموذج الأولي خلال الفترة الحالية لعمليات تطوير، ليكون جاهزا بعد قرابة الثلاثة أشهر للدخول في مراحل التجربة والمعاينة في المختبرات أولا ثم على الحيوانات قبل أن يجرب لاحقا على الإنسان، وفق تسلسل علمي متعارف عليه عالميا".

إنجازات وعادات

ولضيفنا الذي يعرف ساعة دخوله إلى المستشفى ولكنه يجهل موعد المغادرة، عادات ملفتة للنظر؛ منها زيارته اليومية لقسم جراحة القلب وتفقده للمرضى في الأعياد والإجازات، وتخصيصه هاتفا محمولا متاحا دائماً لأي "رقم مستغيث"، فضلا عن تخصيصه لميزانية شهرية لشراء الكتب في شتى المجالات.

وإلى جانب ذلك اعتاد نصار، الحاصل على البورد الأوروبي والإسباني والفلسطيني، على المكوث بجوار المريض بعد انتهاء العملية إلى أن يفيق من غيبوبة المخدر، واعتماده على نفسه في التواصل مع المسؤولين وتوريد احتياجات قسم جراحة القلب.

ونجح الجراح على مدار العقود الماضية في تحقيق جملة من الإنجازات كان منها نشره لـ 42 بحثا محكما باللغتين الإسبانية والإنجليزية وبمشاركته بـ 150 مؤتمرا علميا في عدة دول عربية وأوروبية وتعلم اللغة الإيطالية الفرنسية والألمانية بجانب إتقان الإسبانية والإنجليزية، فضلا عن إصداره لثلاثة كتب حول جراحة القلب، وتتويجه بأربع جوائز علمية بالأبحاث الطبية.

"لا مستحيلات ولا حدود في طلب العلم" بهذا يختم الدكتور محمد نصار حواره المشوق؛ وزاد عليه: "دائما أفكر باللحظة التي ربما يفتح فيها صدري وتنقلب الآية، من أجل ذلك ألتزم في نقل تجاربي لشابين حديثي التخرج، مثلما علمت عشرة أطباء في إسبانيا، ليس استعدادا لذلك اليوم فحسب، بل هي زكاة العلم وميراث أبي".

اخبار ذات صلة