في الوقت الذي يواجه فيه الشعب الفلسطيني أكبر مؤامرة دولية لتصفية قضيته العادلة، نجد أن أكبر مؤسسة دولية وهي الأمم المتحدة التي من المفترض أنها من أولى الداعمين له ضد الاحتلال الإسرائيلي، تجدها تتخلى عن واجبها الإنساني والأخلاقي تجاه شعبنا وقضيته، فبالأمس قلصت الأونروا من خدماتها وأوشكت على الإفلاس، بضغط من الرئيس الأمريكي ترامب الذي حجب عنها الدعم، واليوم ينتقل الضغط إلى مؤسسة أخرى تابعة للأمم المتحدة وهو برنامج الغذاء العالمي الذي يقدم الدعم للفقراء في العالم وليس للفقراء الفلسطينيين فحسب، بحجة عدم توافر المال اللازم.
إن إعلان برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة التقليص من عملياته الإغاثية في الأراضي الفلسطينية المحتلة مع مطلع العام الجديد 2019، ما هو إلا استكمال لسياسة تجويع وتركيع الشعب الفلسطيني، حيث سيؤثر بالدرجة الأولى على نحو 193 ألفاً من أشد الفقراء الفلسطينيين من أصل 360 ألف مستفيد من الفقراء والمحتاجين بتمويل يُقدر بحوالي 57 مليون دولار لم يتوفر منه سوى 20 مليوناً للعام القادم.
عذر أقبح من ذنب، البرنامج يتحجج بخطوته هذه، أنه مع استمرار اتساع الفجوة بين تزايد الاحتياجات الغذائية والموارد المتاحة، فليس أمام البرنامج بديل سوى اتخاذ قرارات صعبة بتخفيض هذه المعونات وحجبها عن آخرين، ومن هم هؤلاء؟! أوجه سؤالي هذا للقائمين على البرنامج العالمي، فهم يعرفون كم هي حاجة ثلث سكان فلسطين لمثل هذه المعونة الإغاثية الطارئة، ومع التخفيضات في المساعدة التي يفكر فيها البرنامج هناك تهديد يتجاوز الأثر المباشر الذي قد يحدثه على حياة هؤلاء الفقراء وقدرتهم على تلبية الاحتياجات الغذائية الفورية. وهذا الأمر قد يدفعهم أيضاً إلى تخطي مزيد من الوجبات والاستدانة بشكل أكبر وسحب أطفالهم من المدارس مما يفاقم الأزمة الإنسانية السائدة وعدم الاستقرار، من يزور الكثير من بيوت الضفة المحتلة ومعظم بيوت قطاع غزة يستمع ويرى بأم عينيه المعاناة التي يعانيها هؤلاء الناس من ضنك العيش والبطالة التي وصلت في غزة بالذات إلى أكثر من 50%. هذه المعاناة ليست فقط في انعدام الأمن الغذائي المطلوب وإنما في صعوبة الوصول إليه.
صحيح كما يقولون "الي اختشو ماتوا"، فعجز برنامج الأغذية العالمي لعام 2019 لا يتعدى الأربعين مليون دولار بحكم أن 20 مليونا من الميزانية الكلية متوفر، أي ثمن طائرة حربية تقريباً من الطائرات التي تقتل الأبرياء في أكثر من مكان في العالم..! لكن الواضح والمؤكد هو أن الموضوع وأسباب هذا العجز وبالتالي التقليصات في الدعم الغذائي والمؤن للبرنامج ليس مادياً ولا بتوفر التمويل المطلوب لسد العجز وإنما هو موضوع سياسي بامتياز. فالولايات المتحدة الأمريكية ومن ورائها حكومة الاحتلال وبعد تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة وبروز ما يسمى بخطة أو صفقة القرن قررت الضغط على الأمم المتحدة وعلى مؤسساتها الخاصة بمساعدة اللاجئين الفلسطينيين وخاصة على مؤسسة الأونروا التي تُعنى بشكل خاص بمخيمات اللجوء في فلسطين المحتلة عام 67 ميلادية وكذلك المخيمات في كل من الأردن ولبنان وسوريا وغيرها. لم تتوقف الولايات المتحدة عند الضغط فقط بل تعدت ذلك بوقف الدعم المادي لميزانية الأونروا للعام الحالي ودعت في اكثر من مرة لإلغاء الوكالة كلياً بدون إبداء أسباب لذلك وكأن قضية اللاجئين قد انتهت وعادوا إلى ديارهم وأرضهم وممتلكاتهم..؟!
ان تقليص أو توقف هذا البرنامج عن برامجه الإغاثية للفلسطينيين سوف يكون له تأثير كبير بل ومدمر على الأمن الغذائي وسبل العيش ورفاهية هؤلاء المواطنين، أما اذا كان المقصود بهذا الأمر ممارسة مزيد من الضغوطات من أجللابتزاز السياسي، فإنها لم تجد نفعا، لأن الفلسطيني لا يبدل قضيته بطحين وعلب السلمون، فالفلسطيني يواجه ضغوطا منذ النكبة وقبلها من خلال تهجيره عن أرضه وتحول جزء من الشعب الفلسطيني إلى اللجوء وفي أوضاع إنسانية مزرية. وحتى الفلسطيني الذي بقي على أرضه التاريخية تقع عليه ضغوطات كبيرة كي يَهجر أرضه وبيته. فهو محاصر من الاحتلال وفي كانتونات صغيرة ومصنفة بتصنيفات عنصرية لا يستطيع الاهتمام بأرضه ولا بزرعه ولا يصل إلى مصادره الطبيعية إلا بجهد كبير إن استطاع ذلك أصلاً. وهو مُحارب في لقمة عيشه وشربة الماء التي يشربها ولا يستطيع التحكم في سوقه ولا في أي شيء يكون مصدراً مستقلاً لدخله. حتى مصدر العملة الصعبة التي كانت تخفف عليه من أعباء الحياة وهو سوق العمل الخليجي أخرج منه لأسباب واهية وهزيلة، لكنها كانت ضغوطاً فرضت عليه للقبول بالتنازل عن حقه الشرعي بتقرير المصير ودولة مستقلة ذات سيادة وعودة اللاجئين إلى ديارهم.