قائمة الموقع

​الصحفي "أبو حسين" .. أصبح القصة بذاتها

2018-04-27T08:08:52+03:00
أحمد أبو حسين

صور أطفال "المخيم" و"الغيوم الحمراء" بلا توقيع أحمد

الساعة العاشرة والنصف صباحا (الثالث عشر من إبريل/ نيسان 2018م) يجلس أحمد أبو حسين "25 عاما" مع خاله "علاء أبو حسين 40 عاما" يحتسون القهوة، لا يعلمون بأنها ستكون آخر جلسة ستجمع الاثنين، كان أحمد يجهز الدرع الصحفي وخوذته ويتأكد من وضوح كلمة "TV"، و"Press"، "اياك تكون قريب من السلك" يوصى الخال ابن شقيقته الذي يترعرع في بيتهم بعد وفاة والده، "تقلقش احنا بنكون بالمسافة البعيدة ومسموح بالتواجد فيها" بهذا رد أحمد.

الجمعة؛ كان شرق منطقة أبو صفية شمال القطاع، يشهد اعتداءً دمويا من قبل قناصة الاحتلال على المتظاهرين السلميين بمسيرة العودة، كان أحمد وصديقه ورفيق مهنته صابر الشرافي 23 عاما يقومان بتوثيق القصص الإنسانية، الاول يصور بكاميرته للتصوير "الفوتوغرافي"، والثاني في كاميرته "الفيديو".

"موصى عليك بدناش نقدم" يحدث صابر صديقه، نظر الأخير إلى الدرع الذي يلبسه ووضع يده على خوذته وأجابه "ولماذا الخوف نحن صحفيون؟"، كان أحمد قد التقط صورة لأحد المتظاهرين وهو يسعف مصابا، ثم أصيب نفس الشاب الذي يحمل المصاب أصيب وأسعفه الشباب الآخرون والتقطها أحمد.

الصورة الأخيرة

قبل أن تباغته الرصاصة الإسرائيلية، التقط أحمد صورة لأحد المسعفين الذين يقومون بنقل الإصابات، وكانت هذه آخر صورة موجودة على كاميرته، تراجع خطوات للوراء وبدأ يعاين الصورة وينظر إليها من خلال شاشة العرض في الكاميرا، لكن طلقة من قناص اخترقت جسده من منطقة طرف الجسم وهي المنطقة الضعيفة من الدرع الصحفي، كان يوثق القصص الإنسانية فأصبح هو القصة.

الثالثة والنصف عصرا كان وقت إصابة أحمد يوم الجمعة، وما هي إلا دقائق بعد إصابته حتى وصل عائلته نبأ الاستشهاد، دخل غرفة العمليات في مستشفى الإندونيسي، وكان وضعه حرجا، تسببت الرصاصة بتهتك بالبطن فقرر الأطباء على إثرها إزالة الكلى، وجزء من الطحال والبنكرياس، والكبد، والقولون، والأمعاء.

تلك الرصاصة أدت، تبعا لكلام خال الشهيد، إلى مضاعفات في العمود الفقري والنخاع الشوكي والرئة، ونزيف في الشريان الأورطي، استدعى وضعه امداده بنحو 38 وحدة دم ووحدتين "بلازما".

وعلى إثر ذلك جرى تحويله بعد يومين من الإصابة مساء الأحد للمستشفى الحكومة برام الله وأجريت له الفحوصات الطبية دون إجراء عمليات، وجرى تحويله لمستشفى "تل هاشومير" الإسرائيلي بالداخل المحتل، ويقول أبو حسين: "هناك لم يجر له عمليات؛ بل فحوصات عادية أدخلت أحمد في غيبوبة وارتقى شهيدا مساء الخميس في السادس والعشرين من إبريل/ نيسان".

عاد أحمد من المستشفيات الإسرائيلية الخميس، لم يكتف الاحتلال بقتله، بل منع الإسعاف الفلسطيني من الدخول إلى النقطة الإسرائيلية في معبر بيت حانون/ إيرز، ويكمل خال الشهيد: "اضطررنا لإدخال عربة نقل (تكتك) واحضار جثمان أحمد مع والدته ونقله على تلك العربة إلى أن وصلوا نقطة (5/5)".

الطفل اليتيم

توفي والده وهو طفل صغير لم يتجاوز ثماني سنوات من عمره، عاش مع شقيقه الأصغر ضياء وأخته لونا، أيتاما في بيت جده، درس في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، وحصل على دبلوم الصحافة والإعلام من جامعة الأزهر، وتعرض لإصابة في القدم برصاص الاحتلال أثناء تغطيته للمظاهرات الشعبية قبل عام شرق مدينة غزة، وبعدها بفترة اصطدمت قنبلة غاز بيده مما أدى لتعرضه لكسر، لكنه مع ذلك واصل مسيرته في مهنة المتاعب.

"شغف كبير" بهذا يصف علاء أبو حسين "40عاما" وهو خال الشهيد، علاقة أحمد مع الصحافة فكان معظم وقته يمضيه في العمل الصحفي، حتى وإن كان بدون مقابل، فعمل مع إذاعة صوت الشعب، وشبكة بيسان الإخبارية.

بين جموع المعزين يعود خال الشهيد إلى أعماق ذاكرته يستذكر ذلك الطفل اليتيم الذي احتضنه وكان له الأب والأخ والصديق، بصوته الذي اكتسى بالحزن يقول: " تعلق أحمد بي منذ طفولته، كان يصر أن يبقي بحضني وبين ذراعي، يتشبث بي إن أردت السفر لإكمال دراستي ويرافقني مع والدته حتى المعبر، كبر بيننا وكنت له الأب، كان ضحوك صاحب ابتسامة، يحب الحياة يحب مهنته، طيب محبوب من الجميع".

"اللي بستشهد بروح على الجنة" هذا ما قاله أحمد في آخر جلسة بين أصدقائه، وهو لا يعلم أنه سيكون الشهيد، ليرحل ويتركهم يمسحون دموعهم التي كانت لا تتوقف من الجريان في نبع الجراح.

حلم لم يكتمل

"سطر أحمد بدمه كلمات العبور لفلسطين بإيصال الحقيقة عن جرائم الاحتلال الإسرائيلي، لكنه استهدفه بالرغم من كونه صحفي محمي بموجب القوانين الدولية" بها يختم خاله.

سرد الحكاية لم يتوقف بالعودة لصديقه صابر، لم تفصل المسافة بين صابر وأحمد سوى عشرين مترا قبل الرصاصة، كان صابر يوثق بكاميرته الفيديو وإذ به يقرب الصورة على المصاب ليجد المصاب صديقه الذي عرفه وأحبه منذ 13 عاما.

"اذا ما صورناش مين بده يصور .. مش احنا اللي نخاف" بهذه الكلمات كان دائما أحمد يرد على صديقه ويحفزه على الاستمرار بالتصوير دون خوف لفضح جرائم الاحتلال.

الجمعة التي سبقت جمعة الإصابة، تعرض الصديقين لاستنشاق غاز ونقلا على إثرها إلى مستشفى العودة، يحدث أحمد صديقه "هاي المرة غاز .. المرة الجاية رصاص" وكأنه حدس داخلي كان يشعر به شعر به.

حلم أحمد أن يسافر ويعمل بهواية التصوير، أحب تصوير المناظر الجمالية، أحب التقاط صور للأطفال أينما يجدهم في أزقة مخيمات جباليا، وهم عائدون من المدارس، في الشوارع، والأماكن العامة، يعشق التقاط صور للغيوم وخاصة وقت الغروب، شارك في تغطية الحروب السابقة على غزة، تواجد في مستشفى الشفاء، وكان من أوائل المصورين الذين وصلوا منطقة الشجاعية لتغطية جرائم الاحتلال فيها عام 2014م.

اخبار ذات صلة