رغم حدة عنف قوات الاحتلال ضد المشاركين في مسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار السلمية يوم الجمعة الماضي، فإن مراقبَين يستبعدان تنصل سلطات الاحتلال حتى الآن، من تفاهمات تثبيت وقف إطلاق النار وكسر الحصار عن قطاع غزة، لكنهما فتحا الباب أمام احتمالات الشكل الذي سيكون عليه سلوك الاحتلال الجمعة القادمة.
وأسفر استخدام الاحتلال الرصاص الحي وقنابل الغاز المسيل للدموع ضد المشاركين في الجمعة الـ39 من المسيرة السلمية شرق القطاع، عن استشهاد أربعة مواطنين بينهم طفل، وإصابة 40 آخرين إضافة إلى صحفيين اثنين وأربعة مسعفين، بحسب وزارة الصحة في غزة.
وأمس، قالت الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية: إن يوم الجمعة القادم سيكون حاسمًا في اختبار سلوك ونوايا الاحتلال تجاه المشاركين في مسيرات العودة السلمية شرق القطاع.
يقول أستاذ العلوم السياسية د.مخيمر أبو سعدة: لا نستطيع الحكم عبـر ما حدث الجمعة الماضية، بأن الاحتلال تنصل من تفاهمات تثبيت وقف إطلاق النار، رغم العدد الكبير من الشهداء والجرحى وهو الأعلى منذ مدّة.
ولا يعد أبو سعدة في حديث مع صحيفة "فلسطين"، ذلك مؤشرًا على أن (إسرائيل) تريد التحلل من تلك التفاهمات، أو الذهاب باتجاه التصعيد، مضيفًا أنها لو أرادت ذلك لما اتجهت لوقف إطلاق النار الشهر الماضي.
وبدأ الاحتلال عدوانه الأخير بعملية تسلل لقوة خاصة شرقي خانيونس، جنوبي القطاع، اكتشفتها المقاومة ودار اشتباك متبادل وقصف إسرائيلي للمكان، أسفر في 11 من الشهر الماضي، عن ارتقاء ستة من مقاتلي كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، إضافة إلى مقاتل من ألوية الناصر صلاح الدين، فيما قتل ضابط إسرائيلي وأصيب آخر بجراح خطرة.
وردت المقاومة أيضًا بقصف مواقع ومستوطنات الاحتلال المحاذية للقطاع بمئات الصواريخ، وقصفت حافلة نقل جنود شرقي جباليا شمال القطاع بصاروخ موجه من نوع "كورنيت"، قبل أن يدخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ برعاية مصرية.
يقول أبو سعدة: إن (إسرائيل) بمؤسساتها الأمنية والعسكرية ارتأت حينئذ وقف إطلاق النار في ظل أخطار متعددة تواجهها، ما يضع علامة استفهام كبيرة عن سبب لجوئها لاستخدام القوة القاتلة ضد المتظاهرين السلميين الجمعة الماضية.
ويضيف أن ذلك يستوجب أولًا مراجعة الوسطاء الذين رعوا التفاهمات الأخيرة مع (إسرائيل).
ويرى أبو سعدة أن الجمعة القادمة قد تكون بمنزلة اختبار لمدى جدية (إسرائيل) تجاه التفاهمات أو أنها تريد الذهاب باتجاه تصعيد جديد ضد غزة.
لكنه يلفت إلى أن الوضع الإسرائيلي والإقليمي والدولي لم يتغير منذ شهر حتى تقرر (إسرائيل) الآن أنها بحاجة إلى تصعيد.
ويبين أبو سعدة أن بيان الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة هو رسالة تحذير للاحتلال، ومن المفترض أيضًا أن يوصل الوسطاء رسالة له مفادها أن قتل الفلسطيني بدم بارد غير مقبول.
ويطرح المحلل السياسي، سيناريوهين محتملين لسلوك الاحتلال الجمعة القادمة، أولهما أن يتغول الأخير بالدم والقتل ما سيؤدي إلى تدهور الأوضاع، وينذر بعودة البالونات ووحدات الكاوتشوك، والآخر أن يلتزم بالتفاهمات.
ضغوط
ويتفق الخبير في الشؤون الإسرائيلية نظير مجلي مع القول: إن الاحتلال لم يتنصل بعد من تفاهمات تثبيت وقف إطلاق النار.
لكن مجلي يوضح لصحيفة "فلسطين" أن هناك ضغوطًا مما يعرف "باليمين والوسط" في الخريطة السياسية الإسرائيلية، على حكومة بنيامين نتنياهو، ولذلك تطلق تهديدات وتصريحات لكن حتى الآن لا قرار بالتراجع عن التفاهمات.
ويعتقد مجلي أن حكومة الاحتلال قد تحاول احتواء الجريمة وعدم فتح الباب للرد عليها عبر تفاهمات مع الوسطاء تؤكد مرة أخرى أن القتل كان خطأ لكن دون إعلان رسمي.
وفي الوقت نفسه، يقول: إنه من الصعب توقع كيف سيكون سلوك الاحتلال في الفعاليات القادمة للمسيرة.
ويتمم بأن سلوك الاحتلال يتوقف على مدى الضغوط التي يمارسها ما يسمى "اليمين" وقوى المعارضة.