قائمة الموقع

​مرح باكير 12 رصاصة في يدها اليُسرى لمجرد "الشّك"

2018-12-23T08:31:25+02:00
صورة أرشيفية

حين يحل ظلام الليلة التي تسبق الزيارة، وقبل أن تخلد الأم سوسن مبيض (41 عامًا) إلى فراش نومها، تشرد بذهنها بعيدًا في لحظة من التأمل والتفكير، تتصارع فيها مشاعر الألم والأمل والاشتياق إلى رؤية "مهجة قلبها".

تسرح بفكرها وتستذكر آلام الفراق والاشتياق إلى فلذة كبدها الأسيرة مرح باكير ابنة الـ16 ربيعًا، ثم تعود لوعيها مرة أخرى، وكأن "جرس إنذار" يُخبرها بالنوم لتستيقظ مبكرًا، خوفًا من ضياع فرصة الزيارة عليها.

"بكرة عنا زيارة لمرح الصبح، ما بدي تروح علي نومة حتى ما يروح الباص، لأني معي أخبار سارّة لمرح"، تلك بعض مشاهد القلق التي ترافق الأم "سوسن" في أثناء تجهيز نفسها لزيارة ابنتها الطفلة الأسيرة "مرح".

لقاء القهر

يتحول الحلم إلى حقيقة حين وصول الأم إلى بوابة سجن "الدامون" الاحتلالي حيث تقبع "مرح"، "أول شيء بخلي مرح تقرّب وجهها على زجاج السجن حتى أبوسها من كتر شوقي إلها" تروي تفاصيل لحظات زيارتها التي تستمر 45 دقيقة فقط.

تصمت "سوسن" قليلًا وتُكمل مشاهد "لقاء العذاب والقهر"، وتقص: "أنظر إلى عيني مرح وتقاسيم وجهها لأعرف أهي بخير ومرتاحة أم لا، ثم نبدأ الحديث عن أفراد العائلة لطمأنتها عليهم".

حرقة القهر والبُعد ترافقت مع نبرات صوتها الخافت حينما قالت: "لم أستطع لمس واحتضان مرح منذ ثلاث سنوات، وهو ما يزيد وجعي، خاصة بعدما كبرت وأصبحت في العشرين من عمرها، إذ دخلت عامها الرابع خلف قضبان الأسر".

لكنّ أقسى اللحظات تبرز بعد أن يمضي وقت الزيارة كـ"لمح البصر"، فتقول سوسن: "أصعب لحظة لما يقول السجان: "باقي دقيقة لانتهاء الزيارة"، يا الله!، بسرعة مرّت الـ45 دقيقة، ما لحقنا نحكي ولا نسمع صوتها".

فحين تهمّ الأم بالخروج تلتفت إلى "مهجة قلبها" مرح، كما تصفها، التي يرتسم عليها القهر لعدم عودتها برفقة عائلتها للبيت، "ديري بالك على إخواني، ووصيهم يهتموا بتعليمهم، لأنه مهم وأساسي في مقاومة الاحتلال" هذه توصيات "مرح" لوالدتها في ختام الزيارة.

مجرّد الشك

كيف اعتقل الاحتلال مرح؟، الإجابة هي: "أحد جنود الاحتلال راوده الشكّ بتحركها في أثناء عودتها من مدرستها؛ فأطلق عليها النار بكثافة".

"كانت "مرح" ترتدي "زي المدرسة"، تنتظر في محطة الحافلات لتعود إلى بيتها، عقب انتهاء دوامها المدرسي كما عادتها يوميًّا، لكن الحافلة تأخرت هذه المرة"، والكلام لوالدتها "سوسن".

وتُتابع: "حين رأت مرح الحافلة قادمة همّت بالتحرك باتجاهها، لمحها أحد جنود الاحتلال، فشكّ بها وأخذ يُنادي عليها باللغة العبرية، لم تستجب، لأنها لا تُجيد التحدث بها، فكانت بندقيته أسرع منها؛ فأمطرها بـ12 رصاصة اخترقت يدها اليُسرى".

"ارتمت "مرح" على الأرض، فتركها جنود الاحتلال تنزف مدة فاقت ساعتين ونصف ساعة، دون تقديم أي إسعافات لها، وهم يتجمهرون حولها رافعين أسلحتهم بوجهها، ثم نقلوها إلى مستشفى (هداسا عين كارم)" تكمل "سوسن".

وتروي: "إن "مرح" مكثت قرابة عشرين يومًا في مُستشفى "هداسا"؛ فإصابتها أدت إلى تهّشم كامل في عظام يدها اليُسرى (منطقة الذراع العلوية) وتلف الأعصاب بنسبة 80%".

أمضت "مرح" مدة سنة وثلاثة أشهر خلف زنازين الاحتلال "دون إصدار حُكم عليها"، إلى حين أقرّت محكمة الاحتلال سجنها مدة ثماني سنوات، أنهت منها ثلاثة، تخللها تقديم امتحانات الثانوية العامة "التوجيهي"، وحصولها على معدل 68%.

وتحرم قيود السجن وشروط السجان "مرح" استكمال دراستها الجامعية داخل الأسر أو خارجه، إلى حين انتهاء محكوميتها.

ومع قسوة حياة "مرح" داخل السجن مع رفيقاتها الأسيرات قضيتها لم تلقَ آذانًا صاغية، وليس هناك أي تحركات بشأنها.

وتحلم الأم "سوسن" بالإفراج عن فلذة كبدها قريبًا لاستكمال حياتها الجامعية، ولم شمل العائلة من جديد بمرح، التي تُمثل قصة ألم من أصل 57 أسيرة فلسطينية قابعات في سجون الاحتلال، تسعة منهن مريضات.

اخبار ذات صلة