فلسطين أون لاين

"أيمن شبير".. جاهَدَ الحياة فلم يجد إلا رصاصة

...
أثناء تشييع الشهيد أيمن شبير
غزة- يحيى اليعقوبي

لم يتعدَّ حلمه أن يحصل على حياة كريمة ولقمة عيش وفرصة عمل يعيل بها أسرته الفقيرة، بين أزقة وشوارع "المخيم" بمنطقة دير البلح وسط قطاع غزة. جاهد الشاب أيمن منير شبير (18 عامًا) الحياة بحثًا عن عمل في واقع تندر فيه الفرص في القطاع نظرًا لارتفاع نسب البطالة.

ومن أزقة "المخيم" إلى السياج الفاصل شرق محافظات القطاع؛ تقاطع حلم أيمن مع عشرات الآلاف من أبناء شعبه الذين انتفضوا منذ 30 مارس/ آذار 2018م بمسيرات العودة وكسر الحصار، طوال 39 جمعة كانت أرض ميدان العودة لا تخلو من وجود هذا الشاب.

لا غرابة بأن الشاب الذي لم يكمل دراسته خشية مواجهة مصير أقاربه من حملة الشهادات التي لم تسعفهم في الحصول على وظيفة، بقضاء معظم وقته في البحث عن عمل، في آخر أيام حياته كان يغسل السيارات على مفرق النخيل بدير البلح.

الساعة التاسعة صباحًا من كل يوم، يتوجه أيمن إلى المفرق هناك يعمل ميكانيكيًا لصيانة الدراجات النارية في إحدى الورش، أو يغسل السيارات. يستمر بهذا العمل حتى العاشرة مساءً ليعود ببضع الشواقل التي يجمعها.

مفرق النخيل

سعيد البحيصي (43 عامًا)، صاحب بسطة لبيع المشروبات الساخنة على "مفرق النخيل"، كان أكثر المقربين لأيمن الذي كان يقضي معظم وقته معه، يقول عن أيمن: "كان هذا الشاب الخلوق يقضي معظم وقته في مفرق النخيل، يكابد الحياة هنا بحثًا عن لقمة عيش وحياة كريمة، لكنه لم يجد ما بحث عنه، فكان يحل المساء ولم يجمع سوى خمسة شواقل لا تكفي لإطعامه".

في هذا المفرق كانت أمنية أيمن إيجاد فرصة عمل؛ بحث عنها تحت أشعة الشمس الحارقة، في فصل الصيف مع حرارة الجو، وكذلك في برودة الشتاء، لكنه لم يجدها، حتى هذا المفرق شهد آخر محطات أيمن لحظة نقل الحافلات المتظاهرين إلى مخيم العودة شرق المحافظة الوسطى من نفس المفرق.

الحادي والعشرون من ديسمبر/ كانون أول 2018م، تاريخ لن تنساه عائلة شبير، حمل هذا اليوم الجرح للعائلة وأسكن الحزن بيتهم الذي سيبقى زائرهم الدائم وهم في كل يوم يحاولون استعادة ذكرياتهم مع أيمن.

مارس أيمن يومه الأخير عاديًا؛ خرج مع والدته إلى السوق، وسيبقى هذا المشهد يذكرها بابنها، مع ساعات العصر ساعد والده الذي يعمل سائق أجرة في غسل سيارته، لكن ما إن حان أذان العصر وكان لم ينتهِ أيمن من غسل سيارة والده ترك كل شيء بيده وقال لوالده: "كمل لحالك".

أثناء وجود أيمن بين صفوف المتظاهرين شرق مخيم البريج اخترقت رصاصة قناص إسرائيلي متفجرة منطقة الخاصرة وتفجرت في البطن.

6 ساعات إنقاذ

سرد الحكاية لم ينتهِ، وهذه المرة يكمل نافذ عم أيمن، أن إصابة أيمن كانت خطرة حتى أنفاسه قطعت أثناء نقله بالإسعاف إلى مستشفى شهداء الأقصى بالمحافظة الوسطى، لكن الأطباء استطاعوا إجراء عملية إنعاش قلبي وتجديد نشاط قلبه، وبعدها أدخل لغرف العمليات واستمر فيها لنحو خمس ساعات.

لكن كانت الإصابة خطرة فالرصاصة المتفجرة أحدثت ثقوبًا في المعدة والأمعاء، وتهتكًا بجدار البطن، وقطع شريان البطن "الأورطي".. بصوت يكتسي بالحزن يواصل شبير: "بذل الأطباء جهدًا كبيرًا لإنقاذ حياة أيمن، فوصلوا الشريان الأورطي بوصلة صناعية، لكن شاءت الأقدار أن يرحل أيمن شهيدًا نتيجة هذه الجريمة الإسرائيلية".

حسب شهود عيان في المكان، وفق عم الشهيد، ظل أيمن ينزف لنحو نصف ساعة، لا يستطيع أحد الاقتراب منه أو إسعافه، نظرًا لكثافة الرصاص الذي أطلق من جنود الاحتلال.

مع ساعات المساء، ووالد أيمن يعمل في تحميل الركاب ويستمع إلى الراديو "في أي لحظة كنت أتوقع خبر استشهاد أيمن" كان يستمع إلى الأخبار في كل نهاية يوم جمعة يدقق في كل اسم ويحمد الله في كل مرة أن عاد إليه نجله حيًا، لكن شاءت الأقدار ألا يتلقى هذا الأب الصدمة مباشرة، أصيب أيمن إصابة خطرة، وظل ساعات بالمشفى وهو يصارع آثار الرصاصة التي حطمت كل جسده، رحل أيمن ولم يجف الجرح النازف لدى عائلته.

تقطع الدموع صوت والده (منير شبير).. تمالك نفسه قائلا: "حرم ابني من كل شيء، كبر على الانقسام، لم يعش يومًا جميلًا في حياته، فوضعنا المادي تحت الصفر، الكثير من الأشياء التي طلبها مني لم أستطع توفيرها، فبالكاد أستطيع توفير لقمة عيش له ولإخوته، وكنت أقسمها بينهم".

ولدى أيمن أربعة أشقاء وهم أحمد (17 عامًا)، وإسلام (12 عامًا)، وأشرف 8 سنوات، وفرح 5 سنوات، يختم والده: "ترك أيمن الدراسة لأنه كان يرى أعمامه خريجي الجامعات عاطلين عن العمل، اتجه للسوق وعمل ميكانيكيًا لتوفير مصروفه اليومي" ونابت الدموع التي قطعت صوته سرد حكاية فراق بين أب وابنه غاب عنه ساعتين وعاد إليه محمولًا بالكفن.