"المحتل الذي غير ملامح فلسطين كذلك غير ملامحي, وفلسطين ظلت فلسطين, وكذلك أنا إسراء قد ظللت إسراء, رغم أنفه"، تلك الكلمات وحروفها المؤلمة التي نطقت بها الأسيرة المقدسية إسراء جعابيص بصعوبة كبيرة لم تتمكن من كتابتها، أو أن تخط حرف واحدًا منها.
وللعام الرابع تواليًا ما زالت الأسيرة جعابيص (32 عامًا) من قرية جبل المكبر الواقعة إلى الجنوب الشرقي من القدس المحتلة تحرم أدنى متطلبات الحياة في الأسر، التي تعينها على العيش بكرامة، أو الصبر على معاناة لا تنتهي، وألم لا يتوقف، وآهات لا تنسى، تزداد إذا ما نظرت إلى كفيها، أو في المرآة متمعنة في وجهها الجميل، ومع كل لحظة تنتظر فيها احتضان طفلها الوحيد.
معتصم، ذاك الطفل أرسل رسالة لأمه وأحرار العالم قائلًا: "مشتاق إلى أمي، وحبها ملء قلبي"، ليرد عليه الاحتلال مجددًا برفض زيارته، مواصلًا بذلك حرمانه لقاء أمه التي لم يزرها منذ سنوات.
وأصيبت الأسيرة المقدسية بحروق من الدرجة الأولى والثالثة في أنحاء عدة من جسدها، بعد انفجار بالون الهواء نتيجةحادث عرضي، في أثناء قيادتها سيارتها شرقي القدس، فقدت خلاله 8 من أصابع يديها، وأصابتها تشوهات في منطقة الوجه والظهر، واعتقلها الاحتلال وحكم عليها بالسجن الفعلي مدة 11 عامًا بزعم نيتها تنفيذ عملية.
الأسيرة المقدسية في رسالتها الأخيرة من داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي وصفت نفسها بأنها "مجرد شخص منسي خلف الزنازين يدعى إسراء جعابيص"، مع استمرار رفض الاحتلال الإسرائيلي تقديم العلاج لها، وإجراء عمليات حيوية تساعدها على القيام بجزء يسير من شؤون حياتها اليومية.
وقالت الأسيرة في رسالتها من داخل الأسر: "لا تنظر إليّ على أني أم لك، ولا أخت, ولا زوجة, ولا صديقة, ولا مارة من الشارع التقيتها مصادفة, أنا مجرد شخص منسي خلف الزنازين يدعى إسراء جعابيص".
صحيفة فلسطين حاورت شقيقة الأسيرة منى جعابيص، التي زارتها في سجن الدامون، قبل أسابيع، حيث حملتها إسراء رسالة لأحرار العالم قائلة: "صحيح أن ابني يدعى معتصم، لكنني لن أقول وا معتصماه, ولن أنادي عليه ليشقى وحده ويتحمل عبئي،كل ما كنت أرجوه أن أرى هذا الطفل يكبر على يدي".
عمليات جراحية
منى قالت لصحيفة "فلسطين": "شقيقتي إسراء ليس كما كانت قبل أربع سنوات، إذ تعاني حروقًا من الدرجة الأولى حتى الثالثة، تسببت لها بضرر في الأنف والعين والأسنان، والتصاق في الظهر والرقبة والأذن، فضلًا عن بتر أصابعها الثمانية وتضرر الإصبعين المتبقيتين".
ومنذ ثلاث سنوات وأكثر من 50 يومًا لا تستطيع الأسيرة المقدسية التنفس من أنفها أو الشم به، بسبب آلام وأوجاع عدة تعانيها في جهازها التنفسي، إذ تحتاج إلى 3 عمليات في الأنف لاستعادة جزء من وظائفه.
ووفق ما ذكرت شقيقتها منى إن الاحتلال منع تقديم نظارات طبية لإسراء، بعد إجراء عملية جراحية لها في عينها اليمنى، ورفض توفير قطرات للعين، علاج خاص بها بعد إجراء العملية، أو إجراء الفحوصات والمراجعات الطبية.
وتقبع الأسيرة جعابيص في سجن "الدامون" الاحتلالي، حيث يرافقها نحو 60 أسيرة فلسطينية، يحظر عليهن التواصل مع العالم الخارجي وأهاليهن، إلا بقرارات احتلالية عليا، فضلًا عن عقابهن بحجج وذرائع واهية بالعزل الانفرادي والقمع والتنكيل.
وتزداد معاناة الأسيرات في سجون الاحتلال، اللواتي نقلن إلى "الدامون" أخيرًا، في ظروف صحية ومعيشية صعبة ومقلقة، مع استمرار الإجراءات الاستفزازية التي تتخذها إدارة السجون بحقهن وممارساتها التعسفية، والاكتظاظ الشديد في غرف السجن، وتعمد استخدام سياسة التفتيش العاري على أيدي المجندات في أي وقت، وضربهن وشتمهن بألفاظ بذيئة.