فلسطين أون لاين

​هل يجوز بيع العقار بنية التجارة في ثمنه؟

...
غزة/ هدى الدلو:

كثيرًا ما يلجأ الناس إلى بيع عقار يمتلكه كأرض أو بيت من أجل التجارة، أو تسديد ديون متراكمة عليه، أو الخروج من أزمة مالية ألمت به، ولكن لم ينتبه البعض لحكم الشرع في ذلك، فهل يجوز بيع العقار من بيت وأرض بنية التجارة به أو بجزء من ثمنه؟

الدكتور عبد الباري خلة المحاضر في كلية الدعوة للدراسات الإسلامية، قال: "عَنْ سَعِيدِ بْنِ حُرَيْثٍ أَخٍ لِعَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ بَاعَ دَارًا أَوْ عَقَارًا فَلَمْ يَجْعَلْ ثَمَنَهَا فِي مِثْلِهِ كَانَ قَمِنًا أَنْ لَا يُبَارَكَ لَهُ فِيهِ"، والمعنى أن من باع داره أو أرضه فعليه أن يشتري بثمنها مثلها، أي: دارًا أخرى، وإن لم يشترِ دارًا بعد أن باع داره كان حقيقة ألا يبارك له فيه".

وأوضح أن قوله "قَمِنًا" أي جديرًا، وخليقًا ومن فتح الميم جعله مصدرًا ومن كسرها جعله وصفًا، وهو الأقرب، فإن كان محتاجًا إلى هذه الدار لسكنى أهله فلا يجوز بيعها إلا إذا كان يريد أن يشتري غيرها.

وأشار د. خلة إلى أنه إذا كانت حاجته إليه ثمَّ باعه، وجعل ثمنه في تجارة، فلا يبارك الله له في هذه التجارة، قال المناوي: "لأنَّ الإنسان يُطلب منه أن يكون له آثار في الأرض فلمَّا محى أثره ببيعها رغبة في ثمنها جوزي بفواته".

وذكر أيضًا، عن يَعْلَى بْنَ سُهَيْلٍ مَرَّ بِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، فَقَالَ لَهُ: يَا يَعْلَى، أَلَمْ أُنَبَّأْ أَنَّكَ بِعْتَ دَارَكَ بِمِائَةِ أَلْفٍ؟ قَالَ: بَلَى قَدْ بِعْتُهَا بِمِائَةِ أَلْفٍ، قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ بَاعَ عُقْدَةَ مَالٍ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهَا تَالِفًا يُتْلِفُهَا"، وفي شرح سنن ابن ماجه، يعني أن بيع الأرض والدور وصرف ثمنها في المنقولات، غير مستحب، لأنها كثيرة المنافع قليلة الآفة، لا يسرقها سارق ولا يلحقها غارة.

وأضاف د. خلة: "وقال المناوي في فيض القدير: لأنها ثمن الدنيا المذمومة، وقد خلق الله الأرض وجعلها مسكنًا لعباده، وخلق الثقلين ليعبدوه، وجعل ما على الأرض زينة لهم: "لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا"، فصارت فتنة لهم، "إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ"، فعصمه وصارت سببًا للمعاصي فنزعت البركة منها، فإذا بيعت وجعل ثمنها متجرًا لم يبارك له في ثمنها، ولأنه خلاف تدبيره تعالى في جعل الأرض مهادًا، وأما إذا جعل ثمنها في مثلها فقد أبقى الأمر على تدبيره الذي هيأه له فيناله من البركة التي بارك فيها، فالبركة مقرونة بتدبيره تعالى لخلقه".

وبيّن أنه لا ينبغي للإنسان أن يبيع عقاره ليستبدله بمال حتى لا يفنى هذا المال، فالعقار أثبت وأحفظ إلا إذا استغنى عنه، أو احتاج إليه لسداد دين حال عليه، أو كان قادرًا أن يبيعه ويشتري به عقارًا أقل منه ثمنًا ليجعل باقيه في التجارة.

وختم د. خلة حديثه: "فإن الإسلام يحترم المأوى ويحث على حفظه، فإن المسكن يأوي صاحبه ليلًا ونهارًا، صيفًا وشتاءً، فهو من أثر العبد، أما التجارة فبين البقاء والفناء، والباقي أولى من الفاني".