مشهد يلخص حالة ثورية ونضالية متكاملة، في هذا العرس الوطني الكبير الذي يرسم صورة النصر، وقد احتشدت الجماهير حول قيادة وإرادة المقاومة، هذه غزة التي ضرب عليها حصار مطبق وتعرضت لعدة حروب ومورس ضدها شتى وسائل القمع والتضييق، وقطعت عنها شرايين الحياة.
تنقل وسائل الإعلام وقائع الاحتفال من قلب مدينة غزة عاصمة المقاومة، لكن هناك نوع مختلف من الرسائل تنطلق مع نفس المضامين التي ما زالت راسخة ومتمسكة بالثوابت الوطنية، فحماس لم تتغير في مواقفها وبدت غير معزولة وقد احتضنتها الجماهير، وتحالفاتها السياسية مع الفصائل وتقاربها في العمل الوطني المشترك حاضر بقوة في الكلمات، وفي الحفاوة التي نالتها قيادة الفصائل خلال الحضور في المهرجان.
وحتى تعقيب قادة الفصائل للإعلام حول الموقف مع حماس وذكرى الانطلاقة يدلل بشكل قاطع على أن المسافات قريبة والقواسم المشتركة بينهما وصلت لمراحل متقدمة، وهذه خطوة عملية لاستعادة اللحمة على طريق بناء النظام السياسيالفلسطيني وتوجيه الجهد نحو الهدف المشترك في مواجهة الأخطار التي تتهدد القضية.
وقد لمسنا استعداد هنية ودعوته لبدء تنفيذ المصالحة ولقاء أبو مازن في أي مكان يريده، دعوة كانت محط اعتبار من القوى السياسية ومن جماهير شعبنا، كان المفروض أن يتلقفها أبو مازن لكنه وضع جدارًا آخر أمامها مقللًا من أهميتها عبر ممثليه من قادة السلطة والمنظمة الذين أطلقوا تصريحات غير مسئولة مثلت صفعة لدعوة هنية.
إنها ليست مبادرة جديدة للحوار لكنها دعوة أمينة للتنفيذ الفوري للاستحقاقات والتفاهمات الوطنية، فلماذا تواجه بهجمة وتصفع بهذه الطريقة!!كما صفعت أمهات الشهداء والأسرى وسحلت في الضفة الغربية في مشاهد قاسية تجريمها كل القيم الوطنية وحتى القوانين المنظمة للعلاقة بين الشعب والسلطة الحاكمة، فهذه الهراوات عكست الموقف السياسي والأمني المتأزم الذي تمر به سلطة رام الله، والذي في ذاتالوقت دفع حسين الشيخ ليتحرك بشكل لافت للقاء رئيس الشاباك الإسرائيلي بناء على تكليف محمود عباس بدعوى خفض التوتر الحاصل في الضفة الغربية والتأكيد على مواصلة التنسيق الأمني.
لكن الكيان الإسرائيلي أيضًا تابع المشهد في غزة بعناية كما يتابع في الضفة وكل بقعة تتحرك فيها المقاومة، ولم يمر عليه مرور الكرام، فخطورة وعمق الرسائل الأمنية التي كشف النقاب عنها وإن كانت مقتضبة إلا أنها تشكل هاجسًا للمستوى السياسي والأمني وتنال من مكانة وقدرة الفرق والقوات العاملة في أكثر من ميدان، وتفرض عليه البدء بمعالجات فورية لأساليبه وأدواته ومنظومة الخطط لديه بعد أن تلقف هذه الضربة الأمنية ومني بهذا الإخفاق الكبير.
إنها حزمة متشابكة من الرسائل فموكب الجوقة يذكرنا بمظهر المركبات التي ترمز لصفقات التبادل، والهندام يعكس مدى التطور والتنظيم الذي أدخلته حماس على جهازها العسكري، والأسلحة المتنوعة تشكل أدوات قتالية متطورة ومتكاملة في صورة تحاكي شكل الجيوش النظامية، وليس انتهاءً ببيانها المقتضب الذي حمل وعد المقاومة بجحيم يلاحق الكيان والحديث يطول في شرح دلالات ومعاني البيان.
لكن اللافت أن حماس ظهرت حامية وحارسة للمشروع الوطني ومعها كل قوى وفصائل شعبنا في قطاع غزة، وأعطت صورة أكثر رقيًّا في تكامل الأداء بين العمل السياسي والمقاوم والفني وتوجته بحضور فاعل لمكانة الضفة الغربية ولأهميتها في الصراع القائم مع الاحتلال والتي تشكل الآن مع غزة جبهة متماسكة في التصدي لما يسمى صفقة القرن وكل التحديات التي تواجه شعبنا.
فمن راهن على سقوط حماس وانفضاض الناس من حولها وانكسارها في وجه العاصفة وانحرافها عن الثوابت أصيب بخيبة أمل مع الدقائق الأولى وهو ينظر لهذا المشهد والخطاب والأداء في حضرة الجماهير، وتشير آخر الاستطلاعات التي أجريت مؤخرًا إلى تقدم مكانة حركة حماس بين الجمهور الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة، وارتفاع شعبية إسماعيل هنية، مقابل تراجع شعبية محمود عباس في الضفة وغزة معًا، حيث أظهر استطلاع، أعده "المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية"، ومقره رام الله، خلال كانون الأول/2018، تأييد 64% من الجمهور أن يُقدم رئيس السلطة محمود عباس استقالته، بعد أن كانت هذه النسبة 62% قبل ثلاثة أشهر، فيما بلغت نسبة الرضا عن أدائه، 32%، بعد أن بلغت 35% قبل ثلاثة أشهر.
وأفاد 49% من الجمهور بأنهم سيصوتون لـ"هنية" إن جرت انتخابات رئاسية الآن، استطلاع يكفي للدلالة على أن حركة حماس وكل فصائل المقاومة ما زالت تحتل صدارة المشهد السياسي والميداني.