يرفض مختصان تربويان فكرة تغيير المعلمين في بعض المدارس بغزة ضمن مشاريع التشغيل المؤقت الممولة من مؤسسات دولية عاملة بالتنسيق مع الجهات الرسمية في القطاع المحاصر الذي يعاني أزمات اقتصادية خانقة.
وتنتهي خلال أيام عقود 150 معلمًا موزعين على مدارس حكومية في قطاع غزة؛ إثر انتهاء عقود تشغيل مؤقت وقعوها مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي "UNDP" قبل ما يزيد عن ثلاثة أشهر.
وأبدى معلمون تحدثت إليهم صحيفة "فلسطين"، استياءهم الشديد من عدم تجديد العقود لفصل آخر بعدما اجتازوا اختبارات ومقابلات وزارة التربية والتعليم.
وقال المعلم في مدرسة عبد الله أبو ستة (ب) الابتدائية في مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، أمين أبو عامر: إن عقد الأشهر الثلاثة انتهى في 9 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وتقرر التجديد 16 يومًا أخرى.
وكانت وزارة التربية والتعليم، قيَّمت هؤلاء المعلمين وأقرت أنهم أصحاب كفاءة عالية في التعليم، في حين تريد أوساط رسمية أخرى استبدالهم بآخرين ليسوا من ذوي الاختصاص، وذلك لإيجاد فرص عمل أمام معلمين آخرين، بحسب أبو عامر.
وتساءل: "كيف يريدون إنهاء عقودنا وهناك عجز بواقع 4 معلمين في المدرسة التي أعمل بها؟".
ضد الطالب
ويرى الأستاذ المشارك في قسم المناهج وطرق التدريس بكلية التربية بالجامعة الإسلامية د. داود حلس، أن تغيير المعلمين في مدارس بغزة وإن كان ضمن مشاريع التشغيل المؤقت، ليس في مصلحة الطالب أو المنظومة التعليميّة ككل.
وأضاف حلس في اتصال هاتفي لـ"فلسطين" أن نسبة البطالة بغزة نتيجة الحصار يفترض ألا تؤثر على العملية التعليمية مهما كان، عادًّا ما قدمته "UNDP" من فرص عمل مؤقتة أمرًا جيدا، لكنه يعتقد أن تغيير المعلمين سيؤثر على سير العملية التعليمية.
ودلل على ذلك بأن الطالب الذي يدرس فصلا دراسيا لمدة تقارب 4 أشهر، سيتعرف على معلم آخر في الفصل الثاني من العام الدراسي ذاته، وبالتالي سيتغير عليهم أسلوب المعلم.
ورأى أن "المعلم عندما يعمل فترة مؤقتة لن يكون عطاؤه بالشكل المناسب، ولن يكون لديه رضا وظيفي، وهنا لا أتهمهم بعدم العطاء، لكن يفترض أن يكون المعلم بدوام كامل من أجل الطلبة حتى يقطع معهم المنهج والمقررات في الوقت المعلوم".
ورأى أيضًا أن تغيّر المعلمين قد يؤثر على الإدارة المدرسية، وقد لا يتمكن مدير المدرسة من متابعة هؤلاء المعلمين بشكل فاعل، لأنه سيتغير بعد ثلاثة أشهر، والإشراف التربوي كذلك، منبهًا إلى أن كل ذلك يؤدي إجمالًا إلى إرباك العملية التعليمية.
ويعاني قطاع غزة من وضع اقتصادي رديء للغاية؛ جعل الحصول على فرصة عمل أُمنية لعشرات آلاف خريجي الجامعات من مختلف التخصصات.
معلم مؤهل
وإن كان الاختصاصي النفسي والتربوي في وزارة التربية والتعليم العالي د. محمد سليم، يرى أن عقود العمل المؤقتة تلزم لتوفير مصادر دخل لدى البعض في غزة، إلا أنه في قطاع التعليم يجب أن يكون المعلم مؤهلًا وحاصلا على دورات تدريبية، والموظف الرسمي أيضًا.
وأضاف سليم لـ"فلسطين" أن "من بين أصحاب العقود المؤقتة معلمين مميزين، وآخرين لا يملكون الخبرة الكافية، ولم يعملوا ميدانيا من قبل ولم يحتكوا بالطلبة بشكل مباشر، ويفتقدوا العديد من المهارات حول طرق التدريس والتعامل مع الطلبة، وكيفية تقديم الامتحانات ونتائجها، وغير ذلك من المهارات التعليمية، بما يؤثر على الطالب".
واستدرك "دراسة موضوع هؤلاء المعلمين بشكل معمق ضرورة ملحة، وإن كانت وزارة التربية والتعليم تريد مساعدة هؤلاء المعلمين بشكل مباشر فيجب ألا يكون على حساب الطلبة، وأن يكون معهم باستمرارية مع الطلبة".
وبين أن الطالب إذا اعتاد على المعلم وأسلوبه في التعليم، سواء كان جيدًا أو مقصرًا، سيواجه فجوة مع المعلم الجديد إذا ما تغير في الفصل الثاني من العام الدراسي ذاته، وهذا يؤثر تأثيرا سلبيا على الطلبة، مؤكدا أهمية استمرار المعلم مع الطلبة فصلين دراسيين بواقع عام كامل.
وكان مدير عام الشؤون الإدارية في وزارة التربية والتعليم رائد صالحية، قال: إن مشروع العمل المؤقت التابع لـ"UNDP"، انتهى عند هذا القدر من المدة الزمنية، وخصص له ميزانية تكفي 150 معلمًا على مستوى القطاع.
ورغم أن صالحية شدد خلال حديثه لـ"فلسطين" على أن استمرار المعلم من بداية العام الدراسي حتى نهايته فيه مصلحة للطالب وتحصيل المنهاج، إلا أنه بيّن أن "UNDP" لن تجدد لهؤلاء المعلمين ضمن مشروع التشغيل المؤقت الذي ينتهي خلال أيام.
ونبَّه إلى أن "التربية والتعليم" طلبت من وزارة المالية معلمين للفصل الدراسي الثاني، مشيرًا إلى أن "التعليم" ترغب ببقاء المدرسين أنفسهم، لكن إذا تعذر ذلك سيكون هناك عقود جديدة ضمن دور التوظيف.
وأضاف: "تفاهمنا على توفير عدد الشواغر خلال الفصل الدراسي الثاني تزامنًا مع أي تقاعدات جديدة إما عبر وزارة العمل أو المالية".
وإن تحقق ذلك، سيتيح تغير المعلمين الفرصة لفجوة جديدة بالظهور أمام الطلبة، في وقت يخشى فيه الأهالي من تداعيات خطيرة على مستويات أبنائهم علميا وتحصيلهم الدراسي، كما قال البعض منهم لـ"فلسطين".