عندما قرر جبر أبو شقير، مغادرة بيته في مدينة خانيونس، للمشاركة في الحراك البحري في أقصى شمال غرب قطاع غزة، كان يدرك تمامًا أنه سيقطع عشرات الكيلومترات للوصول إلى مخيم العودة هناك.
لكنه لم يتردد لحظة في امتطاء دراجته الهوائية من الطراز القديم، وهو يرفع علم فلسطين عليها، وقطع بواسطتها عشرات الكيلومترات حتى وصل إلى مخيم "هربيا" المقام قرب السياج الفاصل مع الأراضي المحتلة.
ولا يترك فعالية لمسيرة العودة السلمية الممتدة منذ 30 مارس/ آذار الماضي، إلا ويشارك فيها بالطريقة ذاتها التي اعتادها منذ انطلاقها في الذكرى الـ42 ليوم الأرض.
وكان أبو شقير المكنى "أبو صالح" البالغ (66 عامًا)، تجاوز بدراجته وعورة الأرض الطينية عند مخيم "هربيا" وبدأ الاقتراب أكثر حتى وصل مجموعة من الشبان كانوا يقفون على تلة عالية تكشف موقع "زيكيم" العسكري، شمال غرب بلدة بيت لاهيا.
وكان ذلك ضمن مشاركته في الحراك البحري، وقطع لأجله أبو شقير مسافة طويلة بدراجته.
ويدرك الرجل تمامًا أن رصاصة قناص إسرائيلي قد تكون سببًا كافيًا في عدم عودته إلى سالماً أهله، لكنه لا يبدو مباليًا بذلك، وتجده دائمًا بالمسيرات يحكي أبياتًا من قصائد شعرية كتبها حول فلسطين ومواجهة الاحتلال والانتفاضة.
ويصر على ذلك رغم القمع الإسرائيلي المميت للمتظاهرين السلميين في مخيمات العودة المنتشرة على طول السياج الفاصل بين قطاع غزة والأراضي المحتلة سنة 48.
"جئت إلى هنا لأؤكد للعالم وللمستوطنين أن لنا حقًّا لن يسقط ولم يلغَ بالتقادم"، قال أبو شقير لـ"فلسطين"، وطل من عينه بريق تحدٍ انعكس في صوته أيضًا.
وأضاف: "راجعون شاء اليهود أم أبَوا، انطلاقًا من إيماننا بعدالة قضيتنا وصمود شعبنا الذي يشارك جماهيريًّا في المسيرات السلمية".
ويبدي استغرابه من القمع المميت للمتظاهرين الفلسطينيين، الذين لا يشكلون خطرًا على جنود الاحتلال المدججين بالأسلحة والدليل على ذلك أن جنود الاحتلال لم يصابوا بأذًى من الجماهير القريبة من السياج.
وما من فعالية يوجد فيها "أبو صالح" ويشتهر بكنيته أينما كان، إلا ويرتدي فيها الكوفية السمراء، ويحمل علم فلسطين، ويركب دراجته الهوائية التي لا يشارك دونها.
وأشار بيده إلى الأراضي المحتلة واستدرك: "نحن أصحاب الأرض.. هؤلاء اليهود ليس لهم نصيب في الحضارة الإنسانية نحن جذور الحضارة الإنسانية".
وتابع: "لنا حق وسنأخذه عاجلًا أو آجلًا، وإن حاصروا غزة سنعيش فيها دون مياه أو كهرباء".
وتزامنت مشاركة أبو شقير في الحراك البحري مع اندلاع مواجهات بين الشبان الثائرين وجنود الاحتلال المدججين بأسلحة قناصة وأخرى أتوماتيكية، يطلون بها من خلف سواتر وثكنات عسكرية، ويطلقون الرصاص وقنابل الغاز تجاههم.
وأخذ أبو شقير يتأمل هؤلاء الشبان وهم يستخدمون وسائل متعددة لقذف الحجارة إما بأياديهم أو بالمقلاع، ومرّ شريط الذكريات أمامه سريعًا، واستعاد بعض فقرات شعرية كتبها عن انتفاضة الحجارة: "هذا زمن الحجر الطاهر أنبته جبل الكرمل؛ إعصار زلزال وسنابل، منهمر يعزف للوطن قصيدة؛ ما أجمل لحن الحجر؛ لكن الحجر سيزهر وردًا وسنابل".
واندلعت انتفاضة الحجارة في 8 ديسمبر/ كانون الأول 1987، وافقت قبل أيام ذكراها الـ31.
وخاطب الشبان المشاركين في المسيرات: "مزيد من الصمود والثبات، نحن أصحاب حق، وهؤلاء اليهود دمى كرتونية".
أما عن "صفقة القرن"، فيقول أبو شقير إن صاحبها -رئيس الإدارة الأمريكية دونالد ترامب- رجل إرهابي، ولا يمكن أن يقبل الفلسطينيون بهذه الصفقة.
وتساءل: كيف لأمريكا التي استخدمت أسلحة نووية في حربها على اليابان، ودمرت الشعبين الأفغاني والعراقي وغيرها من الشعوب حول العالم خلال غزواتها، أن تسعى لأن تصف دفاع الفلسطينيين عن حقهم بـ"الإرهاب".
"إن هذا ليس إرهابًا، فالإرهاب ما تقدمه أمريكا من مساعدات عسكرية لجيش الاحتلال ليقتل به الفلسطينيين"، كما يقول.
ولن تستغرب عندما تجد أبو شقير في إحدى فعاليات مسيرة العودة يغني بصوت عالٍ: "أرض الكرامة دوم تعشق الثوار، والنذل ما يعيش على ترابك فلسطينا، احنا عقدنا العزم بغزة وجبل النار؛ برصاصنا نحاور مغتصب أراضينا".