هي أم لسبعة أبناء، قدمتهم قربانًا لله والوطن، أحدهم قاوم الاحتلال ثم ارتقى شهيدًا، والستة الآخرون لا يزالون خلف ضبان السجون، فجسدت بصبرها ورباطة جأشها خير مثال لتحدي المرأة الفلسطينية الصامدة غطرسة الاحتلال.
ولم يكتفِ الاحتلال باغتيال ابن الحاجة لطيفة أبو حميد (72 عامًا) واعتقال أشقائه، بل زاد ممارساته العدوانية بهدمه منزل العائلة للمرة الثالثة على التوالي في مخيم الأمعري جنوبي رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة.
وفجّر جيش الاحتلال صباح أمس، منزلًا سكنيًّا تعود ملكيته لعائلة أبو حميد، بزعم أن أحد أبنائها ألقى "بلاطة" على جندي إسرائيلي من وحدة دفدوفان الخاصة في أثناء اقتحام مخيم الأمعري في شهر مايو/ أيار الماضي ما أدى لمقتله.
لم تبكِ أم ناصر منزلها المدمر وسجلت موقفا مشرفا استحقت عليه لقب "خنساء فلسطين" و"أيقونة الصمود"، وقالت لـ"صحيفة فلسطين": "لن يكسروا إرادتنا وصمودنا، سنعيد بناءه من جديد".
وعلى شرفة منزل مجاور لمنزلها المدمر جلست خنساء فلسطين مرتدية الكوفية الفلسطينية، رغم البرد القارس، وانتشار كثيف للغاز المسيل للدموع، وأضافت بفخر: "قدمت أبنائي بين شهيد ومعتقل، هُدم منزلي مرتين وهذه الثالثة ولم أنكسر، بيتي فداء لفلسطين، أنا قوية ولن أستسلم، أبنائي يعلمون ذلك".
وكانت محكمة الاحتلال قد رفضت في 2 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، الالتماس الذي تقدمت به العائلة ضد قرار الهدم، وأعطت مهلة لإخلائه حتى 12 ديسمبر، علما أن تقديم الالتماس جاء بعد أن رفض القائد العسكري لجيش الاحتلال من خلال مستشاره القضائي اعتراضين سابقين جرى تقديمهما ضد قرار الهدم.
فزعة الفلسطينيين
وتوافد عشرات المواطنين الفلسطينيين داخل منزل العائلة قبيل لحظات الهدم، تضامنًا ودفاعًا لمنع الاحتلال من تنفيذ الهدم، ما دفع الأخير للشروع في عملية إخلاء لهؤلاء المتضامنين، الذين رددوا هتافات غاضبة دعت للجم غطرسة الاحتلال ومحاسبته على انتهاكاته وجرائمه، والمطالبة بحماية لشعبنا.
وتمت عملية الإخلاء بالقوة، حيث اعتُدي على عدد من النشطاء واعتُقل آخرون.
وحول توافد المواطنين إلى بيتها للدفاع عنه، علّقت أم ناصر بقولها: "هذه فزعة الفلسطينيين تنم عن أصالة هذا الشعب الحر الأبي"، داعية الله أن يقدرها على ردها لهم بالأفراح.
وترفض السيدة الفلسطينية العيش في مكان آخر، وقالت إنها "ستنصب خيمة على ركام منزلها وتعيش بداخلها، هذا المكان له ذكريات كثيرة لن أنساها".
وهدم الاحتلال منزل العائلة مرتين في العامين 1994 و2003، وهذه هي سياسة العقاب التي تنتهجها حكومة الاحتلال مع عائلات الشهداء والأسرى الذين تتهمهم بتنفيذ عمليات تستهدف جنودًا أو مستوطنين.
تحلم بعيش آمن مع أبنائها
استمرت معاناة أم ناصر 30 عامًا في التنقل بين سجون الاحتلال من أجل زيارة أبنائها المعتقلين، ذاقت خلالها ويلات العذاب التي لا توصف، توجت هذه المعاناة بمنعها من زيارتهم بعدما أبلغتها إدارة السجون أنها أصبحت ممنوعة من الزيارات لأسباب أمنية، وفق ما زعم الاحتلال.
يشار إلى أن ابنها الأكبر ناصر محكوم عليه بـ(7 مؤبدات و50 عامًا)، والثاني نصر محكوم بـ(5 مؤبدات)، والثالث شريف محكوم بـ(4 مؤبدات)، والرابع محمد محكوم بـ(مؤبدين و30 عامًا)، أما الخامس جهاد فمحكوم عليه إداريًّا في سجن عسقلان، وآخرهم السادس إسلام الذي مددت المحكمة العسكرية في سجن "عوفر" اعتقاله منذ يونيو/ حزيران الماضي ولا يزال موقوفًا حتى الآن.
وأم ناصر فلسطينية لاجئة من قرية أم شوشة، قرب الرملة وسط الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.
وتأمل الحاجة أم ناصر كغيرها من الفلسطينيات أمهات الأسرى في سجون الاحتلال أن يكون أبناؤها على قائمة أي صفقة تبادل للأسرى، قد تكون قريبة بين المقاومة في غزة وحكومة الاحتلال خصوصًا أن مشيئة الله لم تقضِ لأبنائها الخروج في صفقة وفاء الأحرار عام 2011.
وأشارت إلى أنها مثل بقية الأمهات تحلم بالعيش بأمان وسلام مع أبنائها وهم أحرار.
كما طالبت المقاومة في مقدمتها كتائب القسام بالنظر لعائلتها التي قدمت في سبيل الله والوطن الشهيد عبد المنعم الذي كان أحد أبرز قادة القسام في الضفة الغربية والملقب بـ"صائد الشاباك"، في أي صفقة تبادل للأسرى قادمة.